نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق .. سوريا...الوجه الآخر للحقيقة, اليوم الأربعاء 18 ديسمبر 2024 10:37 مساءً
نشر في الشروق يوم 18 - 12 - 2024
مع سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا مرحلة جديدة تحمل آمالًا وتحديات على حد سواء، فهذه اللحظة التي يعيشها السوريون بقطع النظر عن تقييماتها التي تختلف وفق السياقات فإنها في داخلها تشكّل مفصلا سياسيا داخليا، و تفتح في ذات الآن على نافذة أخرى هي المعركة المفتوحة للسيطرة على السرديات الإعلامية، إذ في خضم الفوضى والأحداث المتسارعة، باتت سوريا مسرحًا لتنازع المصالح الدولية والإقليمية، مع تصاعد موجات التوجيه الإعلامي التي تستهدف الرأي العام العالمي وتحقيق أجندات خاصة قد لا تكون متناسقة ضرورة مع الحقيقة.
وسط هذه التحولات، يبقى من المهم التأكيد أن ما يجري في سوريا هو شأن سوري خالص، إذ أن للشعب السوري وحده الحق في رسم مستقبله، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي تسعى الى استغلال هذه المرحلة لخدمة مصالحها الخاصة، و التاريخ يُعلّمنا أن تركيز القوى الكبرى على مصالحها الذاتية، غالبًا ما يتسبب في إطالة أمد النزاعات، على حساب الشعوب التي تعاني.
و إن أي حلول مفروضة من الخارج ستؤدي فقط إلى تعقيد الأزمة السورية بدلًا من حلها. و بالتالي يجب أن يُترك للسوريين حق تقرير مستقبلهم السياسي والاجتماعي من خلال حوار وطني شامل بعيدًا عن الإملاءات الأجنبية أو الحسابات الجيوسياسية.
و مع سقوط الأسد، ظهرت موجة من الأخبار التي لا يمكن الجزم بصدقيتها و لا بتناغمها مع الحقيقة و هي تلك التي تتداولها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. و هو ما يجب أن يخضع إلى منطق التدقيق خاصة أن التضليل الإعلامي يمكن أن يُمثّل أداة استراتيجية لخلق حالة من الإرباك، سواء داخل سوريا أو على المستوى الدولي.
فبعض وسائل الإعلام تسعى الى تصوير الوضع على أنه انتصار لقوى معينة، بينما تركز أخرى على احتمالات تقسيم البلاد، فيما تُروّج جهات ثالثة لاحتمالات إعادة إنتاج سيناريوهات الفوضى التي شهدتها دول أخرى في المنطقة. و في الواقع فإن هذه السرديات قد لا تمثّل الحقيقة كلها و قد تكون منطلقا لخدمة مصالح قوى استعمارية وإقليمية تسعى الى تحويل سوريا إلى ساحة صراعات بالوكالة.
فلا شكّ أن أخطر أشكال التضليل هو ذلك الذي يزرع الشكوك حول قدرة الشعب السوري على تحقيق استقراره بمفرده، و هذه الخطابات تبرر التدخلات الخارجية باعتبارها "ضرورة"، وتُقلل من أهمية المبادرات الوطنية.
فالتجربة السورية، أمام تحدي إثبات أن سقوط النظام ليس النهاية، بل هو بداية مرحلة جديدة من التحديات، فمع سقوط الأسد، تتجه الأنظار إلى القوى الإقليمية والدولية التي تسعى الى ملء الفراغ السياسي، سواء من خلال تدخل عسكري مباشر أو عبر دعم قوى محلية لتحقيق مصالحها.
و يمكن القول إن دولا على رأسها الكيان الصهيوني، وتركيا، وإيران، وروسيا، والولايات المتحدة، و بلدانا أخرى، جميعها تمتلك أجندات واضحة في سوريا، تمتد ممّا تعتبره ضمان مصالحها العسكرية و الاقتصادية إلى تعزيز نفوذها الجيوسياسي، هذه القوى قد ترى في سوريا فرصة سانحة لتنفيذ مشاريعها، سواء عبر السيطرة على الموارد أو استخدام الأرض السورية كساحة لتصفية حساباتها الإقليمية. و قد أثبتت التجارب السابقة في العراق وليبيا واليمن بوضوح أن مثل هذه التدخلات لا تؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع، وإطالة معاناة الشعب، وزرع بذور صراعات جديدة تمتد عقودا.
وفي هذه المرحلة، يقع على عاتق الدول العربية مسؤولية تاريخية لدعم سوريا وشعبها. إذ يجب أن يتحول الخطاب العربي إلى أفعال ملموسة تركز على حماية السيادة السورية، وضمان استقلال القرار الوطني، وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي لإعادة بناء البلاد. فالعمل العربي المشترك ضروري لمواجهة محاولات القوى الأجنبية لاستغلال الوضع الراهن. و هو ما يتطلب موقفًا موحدًا يرفض التدخلات الخارجية. ويدعم جهود السوريين لتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
و من الضروري التأكيد على أن دور الإعلام العربي لا يقل أهمية عن الدور السياسي. ففي مواجهة موجات التضليل الإعلامي، يجب أن يتحلى الإعلام العربي بالمصداقية والمهنية، وأن يكون منصة لنقل الحقائق بدلًا من الانخراط في حملات التزييف. وبالتالي فإنه يبقى مطالبا بإبراز صوت الشعب السوري الحقيقي، وتسليط الضوء على معاناته وآماله، بدلًا من التركيز على السرديات المفروضة من الخارج. كما أن تعزيز الوعي الإعلامي لدى الجمهور العربي سيُسهم في كشف الحقائق، والتصدي لمحاولات التلاعب بالرأي العام.
فمن الثابت أن سوريا بعد الأسد تقف عند مفترق طرق. إذ أن الأمل قائم في أن تتحول هذه اللحظة إلى فرصة لبناء دولة جديدة تستجيب لتطلعات السوريين في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولكن الحذر واجب، خاصة مع تصاعد التدخلات الخارجية والتخوفات من التضليل الإعلامي.
هاشم بوعزيز
.
0 تعليق