في ذكرى الصقور، تعود الذاكرة إلى جبل الحوارة، وجبال العذيب وجبال شرعان التي عنها يقول جميل بن معمّر (جميل بثينة) في عرض قصيدته:
ولما بدا هضب المجز وأعرضت ** شماريخ من شرعان يردى بها الوعلُ
تلك المرحلة التي كانت ممارسة صيد الصقور فيها ليست إلا هواية لم تكن لهدف مطاردة الصيد، تعود تلك التفاصيل مع حضور الصقور ضمن نهضة تنموية وطنية شاملة، حتى أصبحت العناصر الثقافية بمصاف قطاع الصناعة، وهي حالة مقارنة في التحول الكبير في هذا القطاع.
منذ أن أعلنت رؤية الوطن 2030، التي شملت الصقور كأحد عناصرها، وإنشاء نادي الصقور، الذي حوّل هذه الرياضة من هواية تبدأ بطرح الطير وتعليمه ومن ثم القنص أو الصيد به، إلى مصدر دخل للملاك ليس للمواطنين فحسب، بل لكل من يستطيع المشاركة، مع تخصيص مسارات مسابقة خاصة للمواطنين، لتمتد هذه العناية إلى المحافظة على التوازن البيئي من الصيد الجائر، وتحديد المواسم وإصدار التراخيص لضمان استدامة الصيد وإعادة التوطين للطرائد التي انقرضت أو كانت قاب قوسين من أن تصبح من ذكريات البيئة.
لم تكن رياضة الصقور استثمارية بدرجة عالية، رغم وجود سوق لبيع الصقور، ومنازل للمقيظ والعناية بها فترة معيّنة، إلا أنها بعد إنشاء النادي الذي ولد كبيراً، وعلى درجة عالية من تمكين الخبرات الوطنية من إدارة الأحداث المتعلقة بالصقور، ليقدّم هذه الرياضة بطريقة احترافية تعكس أصالتها ومكانتها لدى ابن الوطن من ناحية، ومن ناحية أخرى كفاءة أبناء الوطن واهتمامهم بهذا الإرث التاريخي.
لقد حضرت على مدى سنوات فعاليات نادي الصقور السعودي التي يقيمها في مقرّه الدائم بملهم، وفي كل عام تتجلى كفاءة القائمين على هذه الأحداث المتتالية، وخلق بيئة تنافسية في العديد من مسارات رياضة الصقور، وتوسيع دائرة الفرص للفوز لضمان استدامة هذه الرياضة، والملفت فيها زيادة عدد المنضمّين إلى هذا المجال الثقافي، وبروز مزارع الإنتاج المحليّة، إضافة إلى المدربين السعوديين.
كذلك، العناية الطبية التي يقوم عليها نادي الصقور في مسابقات النادي، وتهيئة الأجواء المناسبة لكي تتأقلم الطيور القادمة من خارج المملكة مع البيئة المحليّة، تفاصيل لا يدرك أبعادها إلا من وقف على عين التجربة، التي تعكس الاهتمام الكبير من القائمين على النادي.
الجانب الآخر، وهو عنصر مهم، يتجلّى في تمكين الهويّة العمرانية المحليّة – العمارة السلمانية – في تهيئة موقع النادي والتفاصيل الدقيقة داخل منصات المشاركة، سواءً ما يخص مراكز البيع أو صالات العرض والمزاد، أو ساحات مسابقة الملواح، وصالة عرض مزاين الصقور، لتربط بين أصالة العمارة المحليّة والرياضة التاريخية، ولتعزز قيمة الهوية الثقافية بمختلف عناصرها لدى النشء، ولدى الزائر أيضاً، ليكون التعريف شاملاً للركائز الثقافية الوطنية، وتظهر التكامل الحقيقي بينها، لضمان استدامتها والتعريف بها.
مشاهدة الصقور في العرض والملواح والمزاد، وأماكن بيع عتادها، فعاليات جاذبة بحد ذاتها، إلا أن البيئة سانحة لتوسيع هذه الدائرة، وإنشاء مسارات إضافية لتفعيل رياضة الصقور واستثمارها، مثل تنظيم فعاليات الصيد بالصقور من خلال منظمين مؤهلين ومرخصين، يتمكن الراغب في المشاركة فيها من التعرّف على المواقع المخصصة والمواعيد، للتسجيل في رحلات الصيد المحليّة ليعيش تجربة حيّة تمتد إلى التعرّف على مناطق المملكة وبيئاتها، وقد تكون في مواسم محددة في نطاق المحميات الملكيّة، وقد تمتد لتكون بالطريقة التقليدية للصيد على ظهور المطايا، لتصبح عنصراً فاعلاً في مجال السياحة الثقافية والبيئية والرياضية أيضاً.
الصقور، رياضة ثقافية عريقة، إلا أنّها أصبحت مع وجود جهة ترعى وتحتضن هذا النشاط، رياضة اقتصادية، خلقت فرصاً تجارية لأصحابها، وساهمت في رفع مستوى الوعي والمعرفة بهذا الطائر البديع والجميل، إضافة إلى أن الموقع الذي تم تحديده ليكون موطناً لهذه الرياضة، وضعت له بوابة تستحق أن تكون ضمن موسوعة غينيس لأكبر بوابة على هيئة صقر، لما تحمله من دلالة مباشرة على هوية المكان وبراعة التنفيذ.
* ماجستير إدارة التراث
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار الرياضية فى هذا المقال : عمان تواجه قطر.. والإمارات تصطدم بالكويت, اليوم الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 01:22 صباحاً
0 تعليق