نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإدارة تفكر وتنفذ في نفس الوقت: هل حان الوقت لإعادة بناء «عقل الدولة»؟, اليوم الجمعة 27 ديسمبر 2024 03:55 مساءً
نشر بوساطة فؤاد العجرودي في الشروق يوم 27 - 12 - 2024
يؤكد تباطؤ مسار البناء الحاجة إلى إعادة هيكلة كيان الدولة بشكل يحقق التكامل بين وظيفتي التنفيذ والتفكير الإستراتيجي.
والواضح أن الفوارق القائمة بين توجهات البناء الجديد وحصيلة الإنجاز تعود بالأساس إلى إزدواجية مهام «الإدارة التونسية» التي تفكر وتنفذ في نفس الوقت وذلك في ظل افتقار الدولة لمؤسسة مهيكلة تضطلع بوظيفة التفكير الإستراتيجي التي تتجاوز بكثير الدور التحكيمي لرئاسة الحكومة المتمثل في أعمال مجالس الوزراء وجلسات العمل الوزارية أو حتى مفهوم المخططات الخماسية للتنمية.
والواضح أيضا أن هذا الخلل الهيكلي تعود جذوره عدة عقود إلى الوراء حيث أن الهيكلة الأولى لدولة الاستقلال لم تتطور بشكل يجعلها قادرة على هضم تطور هيكلة المجتمع واحتياجاته وإفرازات التفاعل بين التطلعات الداخلية والسياق الإقليمي والدولي بما يطرحه من فرص وتحديات.
وعلى هذا الأساس ظلت الفوارق بين التطلعات والإنجاز تتوسع من عشرية إلى أخرى لتفرز هيكلة تنمية تلبي بالكاد احتياجات نصف المجتمع وهو ما يفسر الأبعاد الهيكلية لقضايا الفقر والبطالة والهجرة الداخلية والخارجية ومديونية الدولة مقابل اقتصار وظيفة إدارة الشأن العام على التخفيف من الأوجاع.
وبالنتيجة تمثل الظرفية الراهنة التي تشهد حالة انحصار عالمية تلقي بظلالها على مسار التنمية في كل الدول دون استثناء فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي من خلال ابتكار هيكلة جديدة للدولة أو بالأحرى إعادة بناء «عقل الدولة» على أساس الفصل بين وظيفتي التنفيذ والتفكير الإستراتيجي بما يتناسب مع الخصوصيات التونسية ويأخذ بعين الاعتبار التجارب المقارنة مثل لجان الحزب الشيوعي في الصين التي تمثل «مطبخ» السياسات العمومية. أو مراكز التفكير الإستراتيجي المرتبطة بالحزبين الجمهوري والديمقراطي وزارة الدفاع في الولايات المتحدة أو المجالس العليا للتخطيط الإستراتيجي في دول أخرى.
ويمكن في هذا الصدد الاستثمار في ما هو موجود عبر تطوير هيكلة المجلس الأعلى للأمن القومي أو المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية عن طريق إحداث هيئات ولجان فرعية تستقطب الكفاءات والعلماء وتضطلع بوظيفة «المطبخ» الذي يرسم السياسات العمومية على المدى الإستراتيجي وبالتالي تتفرغ الإدارة التونسية لوظيفة التنفيذ.
وينبغي الإشارة في هذا الإطار إلى أن عدم استقرار السياسات العمومية الناجم عن تشتيت جهد الإدارة بين التفكير والتنفيذ يؤدي آليا إلى تقليص مساحات التنمية في مفهومها الشامل حيث أنه من غير المعقول أن يتم على سبيل المثال تغيير عشرات الفصول في قانون المالية العمومية كل عام بشكل يوحي أن المجتمع يعامل كحقل للتجارب.
في كل الحالات لن تخسر تونس شيئا إذا اتجهت نحو إحداث قانون مالية جديد أو أي تشريع آخر على أساس الأسئلة الجوهرية المطروحة وفي مقدمتها أي مجتمع نريد؟ وماهي عناصر القوة التي يجب تثمينها؟ وهي أسئلة يظل تفكيكها من اختصاص الجهة التي تضطلع بوظيفة التفكير الإستراتيجي.
.
0 تعليق