وسط المعاناة في غزة.. خبراء يطالبون بتعريف جديد للمجاعة

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
وسط المعاناة في غزة.. خبراء يطالبون بتعريف جديد للمجاعة, اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 02:22 صباحاً

خلال العام الماضي، حذرت منظمة رائدة لمراقبة الجوع في العالم خمس مرات من أن غزة تترنح على شفا المجاعة.

وفي كل مرة، تحجم المنظمة عن إعلان تفشي المجاعة.

أمضى جريجوري شاي، وهو طبيب أطفال متقاعد من كاليفورنيا، شهر تشرين الأول في علاج الصغار في غزة. وبالنسبة له بدا الأمر وكأن المجاعة تنهش القطاع الفلسطيني.

كان شاي يعالج المرضى في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. وروى أن أغلب الأطفال الذين عالجهم كانوا يقتاتون على الخبز والأرز.

وشاي متطوع في منظمة ميد جلوبال غير الربحية ومقرها الولايات المتحدة. وقال إن الأطفال في غياب الخضراوات والفواكه واللحوم يفتقرون إلى الفيتامينات والمعادن اللازمة للوقاية من الأمراض.

وذكر أنه في معظم الأيام عالج في المتوسط 40 مريضا جديدا في المستشفى، العديد منهم كانوا مصابين بحالات شديدة من الالتهاب الرئوي فيما عانى عدد آخر من التهاب السحايا، وهو مرض يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في غضون ساعات.

وقال إن الأطفال حديثي الولادة في كثير من الأحيان كان حجمهم صغيرا بالنسبة لأعمارهم. وعاني بعضهم من عيوب خلقية أو تعفن الدم، وهو عدوى في الدم تعد سببا رئيسيا لوفاة الرضع.

شاي الذي شارك في 35 رحلة لتقديم المساعدة الطبية خلال العقد الماضي قال "لم يسبق لي أن رأيت مثل هذه الأنواع والأعداد من المصابين بالعدوى كالتي رأيتها في غزة، فقط انظر إلى هؤلاء الأطفال وستدرك أن هناك مجاعة".

يقول كثير من خبراء الأمن الغذائي وعمال الإغاثة والأطباء، إن المجاعة بدأت في غزة منذ عدة أشهر. لكن مع استمرار القصف الإسرائيلي والقيود المفروضة على الحركة، واجه المحللون في التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو المرصد الرئيسي لمراقبة الجوع في العالم، صعوبة بالغة في الوصول إلى البيانات المهمة حول مستويات سوء التغذية الحاد والوفيات غير المرتبطة بالقتال.

وتعد هذه المقاييس أساسية بالنسبة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لتحديد ما إذا كان الجوع قد بلغ من الناحية النظرية مستوى المجاعة.

وتستخدم تقارير التصنيف المرحلي المتكامل مقياسا من واحد إلى خمسة لتصنيف المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

ويتدرج هذا المقياس من الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي إلى مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد ثم الأزمة‭‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬‬ثم انعدام الأمن الغذائي الحاد الطارئ‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬وأخيرا المجاعة.

وتدنو غزة بإطراد من مستوى المجاعة إلا أنها لم تبلغه من الناحية النظرية. وحذرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي من أن المجاعة وشيكة في مناطق بشمال غزة.

يدعو بعض الخبراء التصنيف المرحلي إلى خفض معياره لتحديد المجاعة في المناطق التي تمزقها الصراعات وتوسيع أنواع البيانات التي يستخدمها.

في إثيوبيا واليمن والسودان، وجدت رويترز أن الحكومات أو معارضيها عرقلوا أو زوروا البيانات التي يتلقاها التصنيف أو حاولوا إلغاء نتائجه.

وتثير الفجوة الظاهرية بين ما يحدث على الأرض وكيف يحدد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الأوضاع في غزة العديد من التساؤلات: هل يحتاج التصنيف إلى تعريف أكثر مرونة للمجاعة؟ كيف يمكن للتثبت من حدوث المجاعة أن يحدث فرقا عمليا أو قانونيا؟ وكيف يمكن للتصنيف التغلب على القيود في جمع البيانات وتقييمها؟

وقال دالمار أيناشي، محلل الأمن الغذائي في منظمة كير للإغاثة "إذا لم نتمكن من الوصول إلى معلومات بالغة الأهمية، فإن تأكيد حدوث المجاعة يصبح مستحيلا وكذلك إنقاذ الأرواح".

لمدة 10 سنوات، كان أيناشي عضوا في المجموعة الاستشارية الفنية التابعة للتصنيف المرحلي والتي تقدم المشورة المتخصصة لقيادته. وروى كيف نجا من المجاعة عندما كان طفلا في وطنه الصومال.

وقال أيناشي لرويترز "في ظل فوضى الصراع فإن التشبث بمقاييس تعتمد على الكم ولا يمكن التحقق منها ليس أمرا غير واقعي فحسب بل إنه إهمال قاتل يهدد بالتخلي عن شعوب بأكملها لتعاني وتموت في صمت".

وقال خوسيه لوبيز مدير البرنامج العالمي في التصنيف المرحلي إن المنظمة تعتمد على أنواع مختلفة من الأدلة "لضمان أن تكون نتائج التحليل قوية وبالتالي موثوقة".

لكن على الرغم من ذلك فإن إعلان حدوث مجاعة ليس الحل السحري. فكما ذكرت رويترز وصلت مساعدات محدودة إلى مخيم زمزم السوداني للنازحين والذي قال التصنيف المرحلي إنه يواجه مجاعة.

وعلاوة على ذلك إذا لم تتدفق المساعدات إلا عند اكتشاف المجاعة، فهذا يعني أن الأوان قد فات إذ يتعين إيصال المساعدات الغذائية والطبية قبل ذلك بكثير قبل أن يموت الناس جوعا.

وقال لوبيز إن الحكومات وغيرها من الجهات القادرة على المساعدة في معالجة مشكلة الجوع لا بد وأن تتحرك "قبل تأكيد أو حتى توقع حدوث مجاعة... مجرد تغيير المصطلحات لن يعالج هذه القضية في الأغلب".

ومع هذا، تشير وثائق التصنيف المرحلي التي اطلعت عليها رويترز، إلى أنه يدرس تعديل تعريفه للمجاعة. ومن بين الخيارات التي وردت في وثائق تعود لشهر أيلول خفض المقياس المتعلق بعدد الوفيات أو فحص اتجاهات الوفيات بدلا من استخدام معيار ثابت ومحدد.

ونبه لوبيز إلى أن مثل هذه التغييرات ستستغرق وقتا. وقال لرويترز "هذا العمل يتطلب جهودا متضافرة ودراسات مستفيضة".

"حكم تاريخي"

يجري النقاش حول ما إذا كان ينبغي تحديث نهج التصنيف المرحلي وكيفية القيام بذلك في الوقت الذي ينتشر فيه الجوع في مناطق حول العالم، وخاصة تلك التي تمزقها الصراعات مثل ميانمار والسودان حيث لجأ الناس إلى أكل أوراق الشجر.

وفي عام 2023، واجه ما يقرب من 282 مليون شخص ما يعتبره التصنيف المرحلي مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وعانى أكثر من 36 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد.

وفي غزة يموت الأطفال بالفعل لأسباب تتعلق بسوء التغذية منذ كانون الأول من العام الماضي، وفقا لمصدر طبي محلي.

هذا ما قالت القابلة منى عبد العاطي إنها شاهدته عندما بدأت في رعاية المرضى الذين يعانون من سوء التغذية في مستشفى ناصر.

وأضافت أنه في أحد أيام شهر كانون الأول 2023، تم إدخال رضيعين إلى المستشفى، رضيعة عمرها 5 أشهر ورضيع عمره ثمانية أشهر.

وكان الصغيران يعانيان من سرعة التنفس وتبدو عليهما أعراض واضحة لسوء التغذية والجفاف.

وقالت إن وزنيهما كانا منخفضين بشكل خطير بالنسبة لعمريهما، وكان يعانيان من انتفاخ في البطن وجفاف الجلد.

وقالت إن الطاقم الطبي سارع إلى نقل البلازما والدم إليهما ووضعهما على أجهزة التنفس الصناعي، لكن جسديهما كانا ضعيفين للغاية وتوفيا تباعا بفارق ساعة.

وأشار مايكل فخري المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء إلى أنه أصبح من الواضح أن المجاعة أطبقت على غزة بعد ذلك بأشهر عندما بدأ المزيد من الأطفال يلفظون أنفاسهم لأسباب تتعلق بسوء التغذية.

وإلى جانب خبراء آخرين من الأمم المتحدة، أعلن فخري في تموز عن تفشي المجاعة في أنحاء غزة.

وقال لرويترز "العائلات والناس يطعمون أطفالهم قبل أن يطعموا أنفسهم لذا عندما يموت طفل فهذا يعني أن الهياكل الاجتماعية تنهار وأنه يتم الفتك بشعب بأكمله".

وبالإضافة إلى مقاييس أخرى، يقول التصنيف المرحلي حاليا إن المجاعة تحدث عندما يموت اثنان من كل 10 آلاف شخص أو أربعة من كل 10 آلاف طفل دون الخامسة يوميا "بسبب الجوع أو مزيج بين سوء التغذية والمرض".

ولا يُعرف إلا القليل عن عدد الذين لقوا حتفهم في غزة لأسباب لا تتعلق بالعنف منذ بدء الحرب.

في أواخر تشرين الأول، أطلع مسؤول بوزارة الصحة في غزة رويترز على قائمة تضم 38 شخصا ترجع وفاتهم إلى سوء التغذية أو الجفاف.

وكان معظمهم من الأطفال من بينهم رضع لم يكملوا عامهم الأول. وقال المسؤول إنه يعتقد أن هذا الرقم أقل بكثير من العدد الفعلي للوفيات.

وأوضح المسؤول أن أسرا كثيرة تدفن موتاها دون الإبلاغ عن الوفاة بسبب التكلفة والمخاطر وصعوبة التنقل في غزة.

وأضاف المسؤول أن الوزارة لديها معلومات قليلة عن حالات سوء التغذية والوفيات التي حدثت في الآونة الأخيرة في المناطق المحاصرة بشمال غزة حيث يُعتقد أن مستويات الجوع هي الأعلى.

ويقول الأطباء إن المصابين في مناطق القتال قد يتعرضون أيضا لعدوى كان من الممكن النجاة منها لولا نقص العناصر الغذائية الضرورية الذي أضعف الجهاز المناعي.

وفي مثل هذه الحالات، قد لا يتم تسجيل سوء التغذية سببا للوفاة حتى لو لعب دورا في ذلك.

ويقول بعض الخبراء إن إعلان التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي وجود مجاعة من شأنه زيادة الضغوط على حكومة الاحتلال الإسرائيلية بشكل كبير للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع بسبب الاستهجان الدولي الذي ستواجهه إسرائيل.

وبسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، نزح ما لا يقل عن 1.9 مليون شخص، أي نحو 90% من سكان غزة، وفقد أكثر من 45 ألف فلسطيني أرواحهم، وفقا للسلطات الصحية المحلية.

وعادة ما تتولى السلطات الحاكمة في البلدان التي يجري تقييمها رئاسة الفريق الذي يتولى إجراء تحليل التصنيف المرحلي. وفي بعض البلدان التي تعاني من أزمات جوع حادة، وجدت رويترز أن الحكومات أو معارضيها حاولوا عرقلة نتائج التصنيف المرحلي.

وفي غزة، شكل التصنيف فريقا يرأسه موظفوه بدلا من ممثلي الحكومة المحلية. وقال مصدران في التصنيف لرويترز، إن هذه الخطوة تعكس إلى حد ما المساعي الرامية للحفاظ على الحياد.

ومنذ كانون الأول 2023، وجد التصنيف المرحلي مرارا أن نسبة السكان الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء في القطاع هي الأعلى مقارنة مع أي مكان آخر في العالم.

وتستمر السلطات الإسرائيلية في فرض قيودها الصارمة على ما يدخل إلى غزة. ويشير تحليل أجرته رويترز لشحنات الإغاثة السابقة إلى أن الضغوط الخارجية أحدثت بعض الفارق.

ففي عدة ظروف حرجة أثارت خلالها الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الفاعلة مخاوف ملحة بشأن إيصال الغذاء لغزة، سمحت إسرائيل بدخول المزيد من السلع إلى القطاع، حسبما وجدت رويترز.

لكن هذه الزيادات كانت دائما قصيرة الأجل ولم تكن كافية لتخفيف الجوع لفترات طويلة، وفقا لمقابلات مع عمال إغاثة وسكان في غزة.

على سبيل المثال، نشرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي في شهر آذار تحليلا يحذر من مجاعة "وشيكة" في شمال غزة. وتلك اللجنة مهمتها الفحص والتحقق من حدوث المجاعة.

كما أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بضمان تسليم المساعدات للفلسطينيين في جميع أنحاء غزة. وفي ذلك الشهر، أظهرت أرقام الحكومة الإسرائيلية أن المساعدات إلى القطاع بدأت في الزيادة.

ثم في أوائل نيسان، وبعد أن قتلت إسرائيل سبعة أشخاص يعملون في منظمة "ورلد سنترال كيتشن" الخيرية الأميركية، هدد الرئيس الأميركي جو بايدن بحجب بعض الدعم العسكري لإسرائيل حتى تتخذ خطوات ملموسة لحماية عمال الإغاثة والمدنيين.

وفي ذلك الشهر، ارتفعت المساعدات التي تلقتها غزة إلى أعلى مستوياتها منذ بدء الحرب. ولم تسجل تلك المستويات بعد ذلك أبدا منذ ذلك الحين.

وفي بيان لها، قالت السلطات الإسرائيلية لرويترز، إن الجهود تُبذل "يوميا تقريبا" لتنسيق فترات زمنية يوقف فيها الجنود الإسرائيليون "إطلاق النار في مناطق معينة" للسماح بحركة منظمات الإغاثة والفرق الطبية والإمدادات الإنسانية. وجاء في البيان "يتم إخطار السكان مسبقا بفترات وقف إطلاق النار هذه".

لكن حتى عندما تدخل الإمدادات إلى غزة، فإن عمليات النهب تحبط الجهود الرامية إلى إطعام الجياع. كما أن القيود الإسرائيلية المفروضة على الحركة واستمرار القتال يعنيان أيضا أن المساعدات الأخرى لا تصل إلى من هم في أمس الحاجة إليها.

على سبيل المثال، قال برنامج الأغذية العالمي، وهو الموزع الرئيسي للمساعدات الغذائية التابع للأمم المتحدة، إن السلطات الإسرائيلية وافقت في السابع من تشرين الثاني على طلب إرسال 10 شاحنات محملة بالأغذية وشاحنة واحدة محملة بالمياه من مدينة غزة إلى مناطق في شمال القطاع لم تتلق أي مساعدات غذائية لأكثر من شهر.

وقال متحدث باسم برنامج الأغذية لرويترز، إنه في حين تم احتجاز القافلة عند نقطة تفتيش إسرائيلية لمدة ساعتين، انتزع المدنيون اليائسون بعض المساعدات.

وبعد ذلك سُمح للقافلة بالتحرك. لكن بعد بضعة كيلومترات، أمر الجنود الإسرائيليون السائقين بتفريغ الشاحنات وترك المساعدات على الأرض بالقرب من نقطة التفتيش في شمال غزة. وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية إن الموظفين طلب منهم ترك المساعدات لأن التقدم بالقافلة ينطوي على مخاطر.

وبحسب البرنامج، لم تصل المساعدات إلى وجهتها قط وهي المدارس التي لجأ إليها النازحون ومستشفى. وقال المتحدث باسم البرنامج إنه كان من المستحيل على المدنيين الاقتراب من المنطقة التي تم تفريغ المساعدات فيها بسبب وجود الجيش الإسرائيلي.

في ذلك الوقت، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانا بشأن الواقعة. وقال إن 11 شاحنة تحمل مواد غذائية وماء وأدوية وصلت إلى شمال غزة. كما نشر مقطع فيديو وصورا تظهر عمال الإغاثة وهم يتركون المساعدات على جانب طريق. ولم يذكر البيان أن المساعدات لم تصل إلى وجهتها.

ولم ترد وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، الهيئة الحكومية الإسرائيلية المسؤولة عن إدخال المساعدات إلى غزة على أسئلة رويترز بشأن الواقعة. ولم يدل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأي تعليق.

وفي تقرير صدر في حزيران عن غزة، كتبت لجنة مراجعة المجاعة أن زيادة المساعدات كانت أحد أسباب عدم حدوث المجاعة التي توقعتها اللجنة في آذار.

ويعتقد جيريمي كونينديك رئيس منظمة اللاجئين الدولية أن إسرائيل سمحت بدخول الشحنات لأنها أرادت تجنب النظر إليها باعتبارها مسؤولة عن حدوث مجاعة.

وقال كونينديك، المدير السابق لمكتب المساعدات الخارجية في حالات الكوارث التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية "إعلان المجاعة رسميا من شأنه أن يشير إلى كارثة خطيرة تاريخيا نجمت عن الأساليب العسكرية للدولة الإسرائيلية.

كلمة مجاعة لها تأثير قوي جدا... فهي تجعلها تتحول من مجرد حكم نظري إلى حكم تاريخي. وهذا بالطبع ليس الحكم التاريخي الذي ترغب الحكومة الإسرائيلية في تحمل المسؤولية عنه".

ولم ترد وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق على الأسئلة حول ما إذا كانت إسرائيل قد سمحت بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة لمنع حدوث المجاعة، أو ما إذا كانت الضغوط الخارجية قد أثرت على إسرائيل لتخفيف القيود مؤقتا.

ويقول بعض الخبراء إن إعلان التصنيف المرحلي عن حدوث مجاعة قد يستخدم في قضايا قانونية ضد إسرائيل أو مسؤوليها.

في تشرين الثاني، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت‭ ‬في اتهامات بارتكاب جرائم حرب بينها استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب.

كما أن التجويع هو الأساس الذي تقوم عليه قضية جنوب أفريقيا التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بقيادة الدولة. وتنظر هذه القضية أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة.

يقول توم دانينباوم الأستاذ المساعد في القانون الدولي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأميركية إنه رغم أن إعلان المجاعة لن يكون ضروريا لإثبات المسؤولية الجنائية، فإن "ذلك من شأنه أن يؤكد على الحاجة الملحة إلى تغيير سلوك إسرائيل".

وقال بعض الخبراء لرويترز إن إقرار التصنيف المرحلي بتفشي المجاعة لن يحدث فرقا كبيرا فيما يتعلق بحشد المساعدات لغزة.

وقالت أليكساندرا سايح رئيسة قسم سياسة المساعدات الإنسانية في منظمة (أنقذوا الأطفال) إن القضية هي ما إذا كانت إسرائيل "سترفع القيود المفروضة على وصول المساعدات وتضمن للمنظمات الإنسانية القدرة على توصيل المساعدات بأمان". ومنظمة (أنقذوا الأطفال) هي واحدة من 19 منظمة ومؤسسة حكومية دولية تشرف على التصنيف المرحلي.

"فظيع حقا"

في حين أن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي يراجع معاييره الخاصة، يقترح بعض الخبراء أن يعمل على توسيع أساليبه وطريقة تفكيره.

يحصل التصنيف عادة على أغلب المعلومات من العاملين في مجال الإغاثة الذين يتنقلون من منزل لآخر لجمع البيانات الأساسية عن سوء التغذية الحاد ومعدلات الوفيات.

وفي غزة وغيرها من مناطق الصراع، تزيد أعمال العنف والنزوح المتكرر من صعوبة إجراء مثل هذه المسوح. والنتيجة المترتبة على ذلك هي أن المجاعة قد لا يتم رصدها أو تُكتشف بعد فوات الأوان.

وتتطلب معايير المجاعة في التصنيف المرحلي تقييمات محددة لمعدل الوفيات ونسبة الأسر التي تواجه نقصا حادا في الغذاء ونسبة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.

لكن بعض خبراء الأمن الغذائي يقولون إن معايير التصنيف المرحلي، وهي جزء من نظام قائم على الأدلة مصمم لتصنيف انعدام الأمن الغذائي الحاد بشكل موضوعي، تحتاج إلى المراجعة ولا ينبغي أن تكون العامل الوحيد الذي يحدد حدوث المجاعة.

وقال أيناشي المحلل في منظمة كير للإغاثة إن التصنيف ينبغي أن يغير نهجه في المناطق المحاصرة. وأضاف أن التصنيف ينبغي ألا يقبل فقط البيانات الرقمية في بعض المعايير التي يستخدمها لتحديد حدوث المجاعة.

على سبيل المثال، قال إن التصنيف المرحلي يمكن أن يخلص إلى حدوث المجاعة عندما يعاني ما لا يقل عن 20% من الأسر من الجوع الشديد، وهو المقياس الذي يلتزم به حاليا، بينما يعتمد أيضا على المعلومات المستقاة من الأطباء والأسر وموظفي الإغاثة التي تشير إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية والوفيات بسرعة.

يقول التصنيف المرحلي إنه يعدل أساليبه في المواقع المنكوبة بالصراعات. ويوضح لوبيز مدير البرنامج العالمي بالتصنيف إن من الأمثلة على ذلك استخدام المعلومات التي تجمع من خلال الاستطلاعات بالهاتف في المناطق التي قد لا يتمكن جامعو البيانات من زيارتها.

لكن لوبيز حذر من أن خفض معيار متطلبات جمع البيانات بشكل مفرط "من شأنه أن يعرض مصداقية التصنيف المرحلي للخطر ومن المرجح أن يؤدي إلى اتخاذ إجراءات أضعف".

ويعتقد بعض الخبراء أن التصنيف المرحلي ينبغي أن يستكشف كيفية توسيع نطاق استخدامه لصور الأقمار الصناعية وغيرها من الأدوات حتى يتسنى له تتبع كل شيء من أنماط النزوح إلى نمو المحاصيل أو مواقع القبور، كما فعلت رويترز في تقييم الجوع في السودان.

ويقولون أيضا إن نظام التصنيف المرحلي يعتمد كثيرا على الإحصاءات ولا يعتمد بالقدر الكافي على المقابلات المليئة بالتفاصيل مع الأشخاص الذين يواجهون الجوع حول كيفية بقائهم على قيد الحياة وتجاربهم.

يقول كريس نيوتن، المحلل السابق في التصنيف المرحلي والذي درس قضايا تتعلق بالصراع والأمن الغذائي وهو حاليا باحث زائر في مركز فينشتاين الدولي بجامعة تافتس "فقد نهج التصنيف المرحلي الرؤية الحقيقية لمفهوم المجاعة على أرض الواقع. ووسط خطر الموت الذي يهدد أعدادا كبيرة، فإنه يحتاج إلى إيجاد طرق أفضل للاستفادة من كل معلومة متاحة قد تكون مفيدة".

وقال شاي، طبيب الأطفال الذي تطوع في تشرين الأول، إنه لا يحتاج إلى مزيد من البيانات لفهم ما يحدث في غزة.

وأضاف شاي أن جناح الأطفال في مستشفى ناصر كان يستقبل نحو 140 مريضا يوميا عندما كان هناك، والجناح يضم 40 سريرا.

ونام الأطفال وأمهاتهم على حشايا في الممرات، وزاد التكدس من خطر انتشار العدوى. وعاني العديد من الأطفال من الجفاف أو الإسهال أو الالتهاب الكبدي بسبب شرب المياه الملوثة. ويعتقد أن الظروف ستزداد سوءا.

وحذر شاي قائلا "سيصاب الأطفال بالمزيد من الأمراض وتنتشر العدوى أكثر وأكثر".

يقول أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر بجامعة تافتس، إن غزة غارقة بالفعل في المجاعة بحسب أساليب مختلفة لقياس الجوع سبقت التصنيف المرحلي.

وفي مقال حديث، قدر دي وال أن المجاعة والأمراض المرتبطة بها هناك أودت بحياة 10 آلاف على الأقل. وقال إن تقييمه يعطي رقما تقريبيا وليس إحصاء. وتوصل إلى هذا الرقم من خلال فحص مجموعة من تقديرات الوفيات في المنطقة ومراجعة أرقام الوفيات في بلدان أخرى تعاني من حالات طوارئ غذائية مماثلة لتلك التي في غزة.

في الأسبوع الماضي فقط، نشرت شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة، وهي هيئة مراقبة الجوع التابعة للحكومة الأميركية، تقريرا توقع حدوث مجاعة بحلول أوائل عام 2025 في جزء من شمال غزة. وبعد صدور التقرير، كتب السفير الأميركي لدى إسرائيل جاك لو أن التقرير يعتمد على بيانات "قديمة وغير دقيقة".

وفي أعقاب انتقاد لو، سحبت الشبكة التقرير وقالت إن تحذيرها "قيد المراجعة الإضافية" وإنها تتوقع تحديثه في كانون الثاني.

ندد دي وال بتعليقات لو وقال إن هذا الموقف يؤكد كيف أن ندرة البيانات الرقمية تتطلب الاعتماد على "الاستقراء والاستدلال والأدلة التجريبية والمنطق وحكم الخبراء".

وأضاف دي وال أنه إذا كانت الولايات المتحدة قلقة بشأن جودة البيانات "فمن السهل أن تطلب من إسرائيل السماح للوكالات الدولية بالعمل وجمع مثل هذه البيانات".

وأحجم المتحدث باسم لو ووزارة الخارجية الأميركية عن التعليق.

أما عن المناقشات حول العدد الدقيق للوفيات الناجمة عن المجاعة في غزة، قال دي وال إنهم يغفلون نقطة أكثر أهمية مضيفا "نحن بحاجة إلى التخلص من فكرة أنه إذا لم يكن ما يحدث مجاعة فهو أمر مقبول". وحذر قائلا "حتى لو لم يكن هناك مجاعة، فقد يكون الوضع فظيعا حقا".

رويترز

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق