نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
“هيئة تحرير الشام” من “النصرة” إلى الدولة.. أبرز تحديات المرحلة المقبلة (2/2), اليوم الخميس 9 يناير 2025 05:11 مساءً
تناولنا في الجزء الأول من هذه السلسلة، المسار التاريخي لـ “هيئة تحرير الشام”، بدءاً من دخولها إلى سوريا في العام 2011، تحت مسمى “جبهة النصرة لأهل الشام”، وتحولها إلى “هيئة تحرير الشام”، مروراً بفترة “جبهة فتح الشام”. ويمكن تلخيصه كالتالي:
– الخروج من بيعة “أبو بكر البغدادي” ورفض الاستجابة لتشكيل “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عام 2013، والذي يقضي بتوحيد جناحي القاعدة في العراق وسوريا.
– الخروج من بيعة “أيمن الظواهري” وفك الارتباط بتنظيم القاعدة العالمي والعمل تحت مسمى “جبهة فتح الشام”، في تموز/ يوليو عام 2016.
– تأسيس “هيئة تحرير الشام” بداية العام 2017، بعد معارك شرسة مع الفصائل الأخرى.
“هيئة تحرير الشام” والدولة
شكلت الأحداث على الساحة الأفغانية واستعادة حركة طالبان السيطرة على مقاليد الحكم في كابول بعد الانسحاب الأمريكي عام 2021، نموذجاً لـ “هيئة تحرير الشام” حاولت الاستلهام منه. وهذا ما بدا واضحاً من خلال تصريحات قادة في الذراع السياسي للهيئة وهي “حكومة الإنقاذ”، في ندوة نُظمت في ادلب في أيلول/ سبتمبر 2021، حملت عنوان “الجهاد والمقاومة في العالم الإسلامي.. طالبان نموذجاً”.
في تلك الندوة، تحدث رجل الظل في “هيئة تحرير الشام” (عبد الرحيم عطون) عن نقاط التشابه بين حركة طالبان والهيئة، والتغيرات التي حدثت في الحركة أهمها تبنيها للقتال المحلي داخل سوريا ورغبتها في التواصل مع الدول الأجنبية.
والجدير بالذكر أن أحد الأمور التي دفعت جبهة النصرة إلى فك الارتباط مع تنظيم القاعدة، ما قيل سابقاً عن “بيعة الإمامة العظمى” من الظواهري إلى حركة طالبان الأفغانية، ما يعني تبعية جميع فروع القاعدة في العالم إلى “إمارة أفغانستان الإسلامية”، ومن ضمنها جبهة النصرة.
سارت الأمور كما تريد “تحرير الشام” بعد انفصالها عن تنظيم القاعدة، فقد أخضعت في إدلب جميع الفصائل المسلحة، وعملت على بناء حكومة مركزية هناك تتعاطى الشأن العام الخدماتي وكذلك الشأن السياسي، وأنشأت خطوط تواصل مع دول اقليمية أبرزها قطر وتركيا، وعبرهما أوصلت رسائل تطمينية إلى الغرب والولايات المتحدة خاصةً، الأمر الذي جنبها ضربات التحالف الدولي في الفترة الممتدة من (2020 إلى 2024). ترافق ذلك مع اتفاق على وقف إطلاق النار في سوريا، والعمل على حل سياسي للازمة السورية وفق مسار استانا.
منذ اللحظات الأولى لخروج الفصائل المسلحة من إدلب في اتجاه دمشق، أصبح مسار آستانا ميتاً، وبدأت مرحلة جديدة في سوريا.. مرحلة بدأها “أحمد الشرع” بمحاولات لكسب الود الغربي، حيث أنه – بعد نحو شهر على دخوله دمشق- لم يتوجه بخطاب موحد إلى الشعب السوري، ولم يعلن عن برنامج عمله الاقتصادي والاجتماعي، مقابل توجيهه الكثير من الرسائل الدولية والإقليمية عبر وسائل اعلام مختلفة.
1- على المستوى الإقتصادي: يقدم الشرع تجربة “حكومة الإنقاذ” في إدلب على أنها نموذج في الحوكمة، وهي التي عملت على تقديم بعض الخدمات إلى الأهالي هناك. وهو بالتالي يريد حكومة خدماتية، من دون برنامج إقتصادي ومالي واضح، بل انه يركز في تصريحاته على مسألة العقوبات الأمريكية على البلاد، ساعياً إلى رفعها بهدف تنشيط التجارة الخارجية لسوريا.
لكن من المعلوم أن سوريا بلد إنتاجي، ولديه العديد من القطاعات الانتاجية الزراعية والصناعية، وفي الفترة الأخيرة حققت الصناعة السورية فقزات نوعية على مستوى الجودة والنوعية. غير أن تركيز الإدارة الجديدة للبلاد على مسألة رفع العقوبات كسبيل لنمو اقتصادي، يطرح العديد من التساؤلات حول مدى قدرة قطاع التجارة على النهوض بالبلاد اقتصادياً، مع اغفال واضح لدور القطاعات الانتاجية.
ومن المفيد ذكره أن أساس الاستقلال السياسي يبدأ من الاستقلال الاقتصادي والإكتفاء الذاتي، كما أن القطاع الزراعي السوري كان يساهم قبل العام (2011)، بنسبة (22%) في النمو الاقتصادي، والقطاع الصناعي بنسبة (25%)، في حين أن القطاع التجاري كان يساهم بـ (%18).
ومن شأن أي تحولات إقتصادية، لجهة إهمال القطاعات الانتاجية (الزراعية والصناعية)، أن تؤدي إلى كوارث معيشية، حيث أن آلاف الأسر السورية تعتاش من هذه القطاعات، ما يضع حكومة الجولاني أمام تحدٍ كبير على المستوى الإقتصادي.
وفي هذا الإطار، أوضح مدير مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير هادي قبيسي، أن التحول نحو الإقتصاد الحر يضعف بطبيعة الحال الإنتاج المحلي الذي كانت كان قد بنت سوريا عليه خلال مسارها الاقتصادي السابق، مشيراً إلى أن سوريا قبل الحرب كانت دولة ذات اكتفاء ذاتي على مستوى الغذائي والزراعي.
وفي مقابلة مع موقع المنار الاكتروني، أشار قبيسي إلى أن التحول نحو الاقتصاد الحر في هذه المرحلة، يعقد استعادة التعافي على المدى البعيد، وإن كان على المدى القصير قد يدخل تحسينات مؤقتة على مستوى القدرة الشرائية.
تعاني سوريا حالياً من عدم وضوح في السياسات الإقتصادية والمعيشية والأمنية، وسط جنوح نحو إعادة هيكلة الاقتصاد وفق مبادئ “السوق الحر”، مع ما يعنيه هذا الأمر من رفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات، وبالتالي ارتفاع في أسعارها، وهذا ما حصل مع الخبز مثلا، في حين أن زيادة الرواتب والإنفاق الحكومي من دون أن تقابلها زيادة في الانتاج، قد يؤدي إلى تضخم وانخفاض في القدرة الشرائية.
2- على الصعيد الأمني: يعتبر التحدي الأمني الأخطر في الساحة السورية، التي عاشت في تاريخها العديد من الانقلابات العسكرية والتوترات السياسية، وبرزت مؤخراً قضية دمج الفصائل المسلحة ضمن جيش وطني جديد، وتحت إدارة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة المعروف بـ “أبو الحسن 600”.
وبدأ “أبو قصرة” اجتماعات مع باقي الفصائل لتحقيق مسألة الدمج، وسط غياب لأي آلية تنفيذية. غير أن الحديث في سوريا يدور عن اندماج عرضي، ما يعني توزع مقاتلي فصيل معين على كامل الجغرافيا السورية، بهدف قطع الطريق على كل فصيل قد يقوم بالإستقلال في إدارة منطقته العسكرية.
هذا، ناهيك عن الخلافات الايديولوجية بين الفصائل السورية، والتي من الممكن أن تحول دون اتمام هذا الاندماج بالشكل الذي يريده الجولاني (اندماج كامل)، خاصةً أن التعيينات العسكرية الأخيرة طرحت العديد من التساؤلات حول نوايا الإدارة العسكرية الجديدة.
ويلاحظ أن تلك التعيينات التي أصدرتها وزارة الدفاع نصت على تعيين قادة فصائل مقربين من “تحرير الشام” برتبة عقيد، وهم: عناد عبد المعين درويش (قيادي في أحرار الشام)، خالد محمد حلبي (قائد أنصار التوحيد)، جميل شحادة الصالح (قائد جيش العزة)، محمد ضياء صالح طحان (قائد جيش الأحرار)، مؤيد خالد الحسن (قيادي في أحرار الشام)، حسين عبد الله العبيد (قيادي عسكري في حركة أحرار الشام).
معظم المذكورين في الملحق كانوا قد رُفّعوا في تعميم سابق إلى رتبة عقيد قبل أن تعاد ترقيتهم مجدداً، في حين جرى استبعاد فصائل وازنة من هذه الترقيات أبرزها “الجيش الوطني” في الشمال والمدعوم من تركيا، بالإضافة إلى “الجبهة الشامية” في حلب وريفها.
مدير مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير هادي قبيسي أوضح أن هيئة تحرير الشام تعمل بعدة أساليب ووسائل لدمج الفصائل، من خلال توزيع المغانم والرتب العسكرية، أو مساحات النفوذ الجغرافي والصلاحيات.
وأشار قبيسي إلى أن دمج الفصائل يحتاج أيضاً إلى حاضنة سياسية، بحيث أن تكون هذه الفصائل ومجتمعاتها المحلية، راضية عن النظام السياسي. ولفت إلى مسألة الدور الذي سيعطى للجيش الجديد، وما إذا كان سيوجه تجاه الأكراد.
وفي هذا السياق أيضاً، هناك قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تضم المقاتلين الأكراد، حيث لا تفاهم واضحاً حول كيفية إدماجهم في الجيش الجديد. وبرزت في الايام الماضية مواجهات عنيفة بين الأكراد و”الجيش الوطني” في ريف حلب، في محاولة من الأخير للسيطرة على سد تشرين في ريف حلب الشرقي، وهو من أهم السدود المائية في البلاد.
وبالإضافة إلى “قسد”، برزت الجماعات المسلحة في السويداء، التي تضم مقاتلين من الطائفة الدرزية، بعدما منعت قبل أيام قوات “الإدارة العسكرية” من الدخول إلى مناطقها في الجنوب السوري.
ولدى العديد من الفصائل مخاوف من تسليم سلاحها إلى “الإدارة الجديدة” التي بات يُنظر إليها، بحسب بعض الشخصيات السورية، على أنها تسعى إلى الاستئثار بالحكم، لاسيما وأن لا مسار سياسياً واضحاً في سوريا، إلا ما أعلنه “الجولاني” عن نيته إعداد دستور جديد للبلاد واجراء انتخابات في مدة أقصاها (4) سنوات.
هذه المدة اعتبرتها العديد من الجهات محاولة للإمساك بمفاصل الحكم وقطع الطريق أمام أي فصائل أخرى للعب دور سياسي في المرحلة الحالية. وقالت شخصيات سورية إن العديد من التعيينات التي تقوم بها الإدارة الجديدة غير مبنية على قوانين واضحة، رغم تأكيدات الجولاني أنه يسعى لقيام دولة يسودها القانون.
وفي هذا الإطار، برزت قضية تعيين مقاتلين أجانب كضباط في الجيش السوري الجديد، من دون مسوغات قانونية لهذا الأمر. وتم تبريرها من قبل “تحرير الشام” بأن تعيينهم يُعدّ “وفاء” لدورهم في القتال ضد النظام السابق.
وعلى الصعيد الأمني أيضاً، تبرز مسألة ضبط الأمن ومنع التفلت، بعدما شهدت سوريا انفلاتاً ملحوظاً للوضع الأمني تحاول القوات الأمنية التابعة للسلطة الجديدة السيطرة عليه.
3- على المستوى السياسي: من غير الواضح كيف سيكون شكل نظام الحكم في سوريا، برلمانياً أم رئاسياً أم مجلسياً، في حين أن دعوة الجولاني إلى عقد “حوار وطني”، لم تلقَ استجابة سريعة من بقية الفصائل والجماعات السياسية، وعلى رأسها “الائتلاف الوطني السوري”.
ومن ضمن الإشكاليات التي تقف حائلاً دون عقد مؤتمر الحوار، مسألة التمثيل وما إذا كان الحضور سيحدَّد بناء على أسس جغرافية مناطقية، أو على أسس مذهبية أو فصائلية أو مزيج من كل هذه المكونات.
ويُنتظر أن تنبثق عن المؤتمر المذكور حكومة سورية جديدة تحل مكان الحكومة المؤقتة التي يرأسها “محمد البشير”، والمتهمة أصلاً بأنها من لون واحد وتتبع “تحرير الشام”.
ومن بين التحديات السياسية أيضاً إعداد دستور جديد للبلاد، قال الجولاني إن العمل عليه سيستمر بين عامين وثلاثة أعوام.
وبرزت في الآونة الأخيرة مسألة النازحين السوريين في الداخل، والذين ينتشرون في مخيمات داخل الأراضي السورية خصوصاً في مناطق الشمال، وسط عدم وجود آلية لعودتهم إلى منازلهم. وشكا النازحون في المخيمات من عدم توفر المواد الإغاثية اللازمة لهم، محملين الحكومة الجديدة المسؤولية.
في المحصلة، تدرك “هيئة تحرير الشام” أنها تواجه تحديات عدة في الداخل السوري وعلى أكثر من مستوى، بيدَ أنها تتوجه بخطاب خارجي أملاً برفع العقوبات المفروضة عليها أولاً، وعلى سوريا ثانياً. وفي ظل هذه الأوضاع، يعيش المواطن السوري المرهق أصلاً أزمات معيشية وإقتصادية وأمنية، نتائجها غير معلومة، وأفقها غير واضح. فهل تحمل الأيام المقبلة استقراراً للسوريين، أم دوامة جديدة من النزاعات والتوترات؟
المصدر: موقع المنار
0 تعليق