نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المفهوم الصهيوني والمعنى الجيوسياسي للصهيونية.. من أجل جيوسياسة ديكولونيالية وديصِيونية, اليوم الجمعة 28 مارس 2025 05:50 مساءً
نشر بوساطة صلاح الداودي في الشروق يوم 28 - 03 - 2025
"إن الشيء الجديد الذي طرقته الصهيونية هو تعريفها الجيوسياسي للقومية اليهودية"!
كلاتزكس
"إن مفسر التوراة هو الجيش"
بن غوريون
"أنا أحارب اذن أنا موجود"
بيغن
تجدر الإشارة، ونحن في ذكرى يوم الأرض وأيضا يوم القدس العالمي وفي سياق حرب وجود تحريرية متواصلة وتحت عدوان إفنائي مستمر، ان الأهداف كبيرة جدا وقضية تحرير فلسطين قصة عظيمة جدا حقا ووجودا وشأنا ومصيرا. وان الصمود عظيم ومتواصل، بل المعركة ذاتها متواصلة والصراع مستمر ولن تنتهي ولن ينتهي إلا بالتحرير مهما طال الزمان وعظمت التضحيات. وان هذه الملاحم المتراكمة لا شك سوف تختم بالتحرير وبالنصر والعودة ولن يخرج هذا العدو منتصرا أبدا من حرب تحرير وطني تخاض ضده وسوف تتواصل بشكل متصل أو متقطع حتى يزول من الوجود نهائيا وإلى الأبد.
في هذا الواقع، وأمام مخاطره وتحدياته وفرصه ورهاناته، يجدر بنا أيضا أن نتجنب تحويل الأخبار والمستجدات والتقارير الاستخبارية المنشورة ودراسات العدو أو حتى غيره إلى وقائع نهائية وحقائق مطلقة لا تتغير ونهايات قدرية لا راد لها وعلوم دامغة لا يطالها التنسيب أو حتى التشكيك التام والتكذيب الكلي، هذا فضلا عما يسمى فرضيات واحتمالات وسيناريوهات قد تكون وتحدث والعالم متجمد وقد لا تحدث أبدا. ولا أن نقع في خطاب الهزيمة والتيئيس ولا في خطابات بيع الأوهام كذلك.
نرى في الحقيقة انه لن يجد فلسطين ولن يرى احتلال فلسطين ولن يرى وجودها ولن يرى تحريرها مطلقا أربعة أرهاط: رهط أدعياء التوقع والتنجيم بإسم الاستشراف الكاذب والمستقبليات المزعومة ورهط الببغاوات الذين يرددون كل ما ينتج غربا سواء انطبق قليلا أو كثيرا أو لم ينطبق بالمرة على قضيتنا وصراعنا ورهط التيئيس حينا والزهو وبيع الأوهام أحيانا ورهط الطائفيات بيادق الصهيونية ورعاتها ووكلائها.
هذا وعلينا أن نؤكد بعيدا عن "الخرافات اليهودية والجهالات العربية" كما يقول الراحل الكبير أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية قبل الشهيد عرفات، وأعماله الكاملة شاهدة، (وبالمناسبة نحن نجزم انه لا يمكن لأحد بتاتا وعلى الإطلاق أن يزعم أي تضلع في خصوص قضية تحرير فلسطين وقضية الصراع مع الصهيونية العالمية بكل ما تستوجبه من علوم ومناهج واختصاصات ومهارات وطاقات وخبرات وكفاءات دون أن يمر برجلين هما أحمد الشقيري وعبد الوهاب المسيري في "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، ونحن للأسف الشديد نواكب موجة غير أخلاقية من التعدي على جهود الناس دون ذكرهم بدعوى ان البث على يوتوب وغير ذلك من الوسائط يتيح ذلك ولا يمكن للجمهور العريض التفطن)؛ نؤكد على انه لا فلسطين إلا فلسطين التاريخية والمستقبلية في آن واحد. وفلسطين التاريخية والمستقبلية هذه هي فلسطين الجيوسياسية. وفلسطين الجيوسياسية هذه في جغرافيتها وحضارتها وفي محيطها القريب والأبعد وفي علاقاتها الإقليمية والدولية هي فلسطين التحريرية الطوفانية مهما طال الزمان وعظمت التضحيات، مرة أخرى. فإما فلسطين الجيوسياسية المحررة وإما مملكة صهيون الكبرى. وهذا هو وجه الصراع الحقيقي الدائر المتواصل والمقبل.
فلسطين هذه لم تحتلها التوراة لتفوق في الدين، بل التوراة ذكرت انها محتلة ولن تتحرر فلسطين بنهاية التوراة أو غيرها من النصوص؛ وفلسطين لم تتحرر، ليس لأن القرآن تركها، بل القرآن حفظها ويذكر انها سوف تتحرر وليس لنقص في الدين بل لنقص في عقيدة التحرير بما فيها من استعداد وقوة وسلاح ووحدة وبذل. صحيح انها قضية مقدسة ولكن قدسيتها ليست دينية فقط. ومع اننا نستثني أهلنا في فلسطين الذين لم يضحي مثلهم أحد، فإننا لا يجب أن نغفل الحقيقة التالية: لا تحرير دون تكامل وتظافر وانصهار كل المقاومات على أساس رؤية جيوسياسية ديكولونيالية نازعة للاحتلال وديصيونية نازعة للصهيونية مقاومة موحدة بحيث نكون أمام معادلة: في كل أرض مقاومة، لأن كل أرض بلا مقاومة أرض قابلة للاحتلال، بل كل أرض تقع فيها اختراقات تسمى غالبا تطبيعية أو يعترف فيها بالعدو والتعامل معه في شتى انواع العلاقات الخفية والظاهرة، هي أرض مرشحة ان تكون جزءا من الجيوسياسة الصهيونية فتنا وتخريبا وتسربا وهيمنة وقضما. وكل أرض مقاومة أرض تحرير. ولذلك نؤكد دوما ان لا جهاد إلا بالزناد ولا تسبيح إلا بالسلاح.
يبدو لنا بعد طول تمحيص وبالاستخلاص العام الأقرب إلى الصحة باعتبار التاريخ وباعتبار الواقع وباعتبار التيارات الفلسفية والايديولوجية والدينية والسياسية الغالبة على الصهيونية، يبدو لنا ان الصهيونية القومية الدينية في آن معا هي المستحكمة وهي جوهر المشروع الصهيوني العدواني والمعادي، أي فكرة الصهيونية التاريخية وفكرة انشاء كيان العدو وفكرة دولة اليهود الهرتزلية ثم، بصرف النظر عما إذا كان ذلك انحرافا أو أصلا، اقرار ما يسمى يهودية الدولة وما يعرف بقانون يهودية الدولة بعد ذلك، وبالتالي الإقرار بما يسمى الدولة اليهودية. ألم يكتب المفكر الصهيوني كلاتزكس ان "الشيء الجديد الذي طرقته الصهيونية هو تعريفها الجيوسياسي للقومية اليهودية"! ثم أردف "الصهيونية لا تسعى لإقامة مركز للقيم الروحية للدين اليهودي، إن احتلال فلسطين وإقامة دولة فيها هو غاية في حد ذاته". (ابراهيم العابد، العنف والسلام، مركز أبحاث منظمة التحرير، 1967).والهدف استبدال جيوسياسي، بل استبدال وجودي بعد إخلاء وافراغ وإحلال واقتلاع. ولمواجهة ذلك لا شك ان الخيار الأوحد هو الوجود المقاوم لانهاء الاحتلال والحضور الجيوسياسي لانهاء الفراغ الجيوسياسي الذي تركناه حتى يتوسع هذا الاحتلال وهو فعلا يتوسع ويقضم ويضم أكثر من كونه يقسم بمعاني التقسيم التقليدية.
هو احتلال وليس مجرد خصم ايديولوجي والمسألة مسألة وجود وليست مجرد مسألة حدود وليست مسألة اجتهاد تاويلية بل قضية وجودية تحريرية وإنسانية. ولا يجوز أبدا مقاربتها بعناوين خط أخضر وخط أزرق وحدود 48 وحدود 67 وحدود ما قبل 7 أكتوبر وما بعد 7 أكتوبر ومشرق ومغرب وشق آسيا وشق افريقيا وايديولوجيا ضد أيديولوجيا ومذهب ضد مذهب... والخ. ولا يتم ذلك دون نزع التبعية والاعتراف والإرهاب والطائفية ودون انتزاع الاستشراق والاستغراب والاستسرال.
واذا كان جابوتنسكي يرى ان "السيف والتوراة أنزلا من السماء" وبيغن يرى ان "قوة التقدم في تاريخ العالم ليست السلام بل السيف" وبن غوريون يرى انه "على اليهودي من الآن فصاعدا ألا ينتظر التدخل الإلهي (عودة الماشياح- المسيح المزعوم-) لتحديد مصيره بل عليه أن يلجأ إلى الوسائل الطبيعية العادية مثل الفانتوم والنابالم"، فإن الفلسفة الصهيونية كلها تتلخص في جملة واحدة خطها بيغن في كتاب" الثورة" لما قال: " أنا أحارب اذن أنا موجود". وقال:" من الدم والنار والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال (...): اليهودي المحارب". هذا وبين بن غوريون دور العنف في"اعادة صياغة الشخصية اليهودية " حسب قوله. بل وثمة من يذهب ابعد من ذلك من الصهاينة في الربط المباشر بين النبي موسى وموشيه دايان. بل وصل الأمر ببن غوريون حد التصريح بأن" مفسر التوراة هو الجيش، فهو الذي يساعد الشعب على الاستيطان على ضفاف نهر الأردن". هذه هي ايديولوجية ما يسمى" شعب الله المختار" وما يسمى "وطن قومي لليهود" وما يسمى "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وهذا هو المفهوم الجيوسياسي للصهيونية وهذا هو المفهوم الصهيوني للجيوسياسة. إنها الحلولية الكمونية: " اختاره الله ثم حل فيه ثم أصبح تابعا له".
كل هذا يفسر الترحيل والتهجير ويفسر التطهير العرقي والإبادة الجماعية والافناء الوجودي وبكل هذا يفسر كل هذا. وهكذا تتم الأمور وتتقدم وتتوسع. ولابد في مواجهتها من استراتيجية وقف لحركة الدومينو أو لقلب حركة الدومينو، وإلا كيف ستصاغ استراتيجية للتحرير من النهر إلى البحر وفي فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان وأطراف مصر والأردن ومن المحيط الهندي إلى البحر المتوسط مرورا بالبحر الأحمر، بل على كامل أطراف واقطار وأقطاب محور القدس دون أن ننسى مطامع العدو المتواصلة في إقامة ما يسمى مملكة صهيون الكبرى الأوسع بكثير من الأطراف والجغرافيا التي كنا نذكر وصولا إلى بلادنا حتى، كيف يمكن أن نعترض ما يمكن أن يتكرر في مصر أو الأردن، لا سمح الله، بما شابه السودان أو ليبيا أو سوريا أو غير ذلك بشكل مركب أو هجين أو ربما غير منتظر وغير مسبوق، وكيف نضمن ما الذي يمكن أن يقع في السعودية أو غيرها وأن لا يتكرر في الضفة الغربية المحتلة ما يجري في غزة، وكيف نتجنب أن يقع لليمن ما يقع في جنوب لبنان وكيف يتم اعتراض خطة تكرار ما حصل لبغداد في طهران أو فرضية إلحاق العراق بما يجري الآن من عدوان ضد اليمن... وهكذا؟
.
0 تعليق