نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
للحقيقة والتاريخ : بورقيبة وعاشور وحقيقة شرارة "الخميس الأسود" (26 جانفي 1978) وتبعاتها…مصطفى عطية, اليوم الأحد 26 يناير 2025 11:04 مساءً
نشر في صحفيو صفاقس يوم 26 - 01 - 2025
عندما أطل الحبيب عاشور، رحمه الله، من شرفة مقر الإتحاد العام التونسي للشغل، مهددا بإضرام حريق في البلاد، أمر الرئيس الحبيب بورقيبة، برد الله ثراه، بإيقافه فورا، لتتحول الإحتجاجات إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، وبالرغم من اعتذار الحبيب عاشور لاحقا فإن بورقيبة أصر، إصرارا شديدا، على تنفيذ أمر إيقافه. حاول بعض المقربين منه، وخاصة زوجته وسيلة، إقناعة بضرورة التراجع عن قراره لتجنيب البلاد مخاطر الصدامات الدامية، فرفض بورقيبة كل المقترحات رفضا مطلقا، مذكرا بان هيبة الدولة فوق الجميع، حتى وإن أدى الحرص على صيانتها إلى حدوث خسائر جانبية، لأن خسارة الدولة لهيبتها ونفوذها أخطر من كل الخسائر الأخرى الممكنة.
كانت البلاد قد دخلت، في يوم السادس والعشرين من شهر جانفي 1978، في إضراب عام، وقد بلغ الإحتقان ذروة درجاته الدرامية، وخيمت غيوم داكنة تنبئ بما لا يحمد عقباه. بدا شارع باريس الطويل، الذي دلفت إليه، قادما من شارع غانا حيث أقطن، صامتا ومثقلا بالهموم، وكأنه يعيش مخاضا عسيرا ومكبوتا، وعلت وجوه المارة علامات الخوف والتوجس وهم يشاهدون قوات الأمن والجيش تتمركز في العديد من المناطق الإسترتيجية، ومجموعات مدججة بالهراوات تجوب الأنهج وهي تردد شعارات داعمة للنظام والحزب الحاكم والرئيس بورقيبة.
في مقر جريدة بلادي، التي كنت أحد محرريها، رغم اني مازلت، وقتها، طالبا بقسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، بدأت مجموعات صغيرة من الصحفيين والموظفين والفنيين والعملة تتشكل في الأروقة والمكاتب للحديث عن الأوضاع المتفجرة في البلاد، ووضع السيناريوهات المحتملة لمواجهة التطورات، وكان العديد من عمال الإستقبال والتنظيف والحراسة، قد تسلحوا بالهراوات بعد أن تناهى إلى مسامعهم أن المتظاهرين عازمون على اقتحام مقر الحزب الإشتراكي الدستوري حيث مقر الجريدة. وفعلا حدث ما كان متوقعا وشهدت البلاد أسوأ أيامها بعد إثنتين وعشرين سنة من استقلالها.
وفي خطاب له، بعد أيام قليلة من الخميس الأسود، قال بورقيبة أن الحبيب عاشور هو رفيقه في النضال، وكان له الفضل في تعبئة الجماهير وخاصة النقابيين لنصرته في أغلب المعارك التي خاضها ضد الإستعمار الفرنسي وضد خصومه السياسيين أيضا، ولكن عندما توضع هيبة الدولة في ميزان التحدي فإن مسؤوليته تحتم عليه حمايتها مهما كان الثمن.
.
0 تعليق