صحيفة المرصد تنشر النص الكامل: المنقوش تحكي قصة الاجتماع بكوهين ومرارة الخذلان

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
صحيفة المرصد تنشر النص الكامل: المنقوش تحكي قصة الاجتماع بكوهين ومرارة الخذلان, اليوم الثلاثاء 7 يناير 2025 01:01 صباحاً

ليبيا – أجرت الإعلامية خديجة بن قنّة لقاءً مع وزيرة الخارجية الليبية السابقة نجلاء المنقوش، عُرض على منصة “الجزيرة 360” وتابعته صحيفة المرصد. تحدثت المنقوش خلال المقابلة عن أبرز محطات عملها الدبلوماسي وملابسات لقائها بوزير الخارجية الإسرائيلي السابق، إضافةً إلى الأسباب الكامنة خلف إبعادها عن مشهد السياسة الليبية، فضلاً عن علاقتها بالأطراف المؤثرة داخليًا وخارجيًا.

تكليف المنقوش للقاء وزير الخارجية الإسرائيلي

أوضحت المنقوش أن لقاؤها بوزير الخارجية الإسرائيلي السابق جاء بتكليف مباشر من رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة. وتطرقت إلى تفاصيل هذا التكليف، مؤكدةً أنه تم التنسيق لها من قبل أطراف حكومية بهدف مناقشة قضايا وملفات وُصفت بـ”الحساسة” و”الاستراتيجية”، مع نفيها القاطع لوجود أي توجّه من قبلها نحو التطبيع السياسي. ووصفت اللقاء بأنه كان “عارضًا” وغير مُعلن، معتبرةً أن الأزمة الحقيقية لم تكن في حدوث اللقاء بحدّ ذاته، بل في كيفية معالجته إعلاميًا وسياسيًا.

علاقتها بالقيادة العامة

أكدت المنقوش أنها سعت أثناء توليها مهام وزارة الخارجية إلى التواصل مع مختلف القوى السياسية والعسكرية، بما فيها القيادة العامة في المنطقة الشرقية، مشيرةً إلى أن نجاح أي مشروع وطني لا يمكن أن يتحقق إلا بتوحيد الجهود. ونوّهت بوجود بوادر تفهّم لدورها ومهامها الدبلوماسية، لا سيما في المواضيع ذات الطابع الأمني الحساس. كما لفتت إلى أن البعد الشخصي والعاطفي، كونها من بنغازي، سهّل أحيانًا عملية الحوار، لكنها حرصت في الوقت نفسه على تمثيل كل الليبيين دون تمييز أو انحياز.

وقد قمنا في صحيفة المرصد بتفريغ هذا الحوار كاملًا، وفيما يلي النص الكامل للقاء:

س/ بماذا نخاطبك بصفتك (الوزيرة نجلاء المنقوش، أم الوزيرة السابقة، أم الوزيرة المفصولة، أم المُحقَّق معها، أم الوزيرة المقالة، أم الوزيرة المستقيلة)؟
ج/ هذا سؤال جدلي ومهم جدًا. أنا ما زلت وزيرة من الناحية القانونية والإدارية، وإن كان هناك تحفّظ من الناحية السياسية.


س/ ما سبب اللقاء بإيلي كوهين ولماذا كان أساسًا هذا اللقاء؟
ج/ لا أستطيع أن أحكم ما هو المبرر، ولكن هناك الكثير من الأمور الإستراتيجية والأمنية الحساسة تهم أمن واستقرار ليبيا. لقائي بوزير الخارجية الإسرائيلي السابق إيلي كوهين كان لقاءً عارضًا، لقاءً غير رسمي وغير معلن، وتم خلال زيارتي لإيطاليا من أجل التحضير لمؤتمر الاستدامة. تم التواصل مع حكومة الوحدة الوطنية لغرض مقابلتي في إيطاليا، وتم التنسيق بين الجانبين لحضور هذا الاجتماع العَرَضي لمناقشة بعض الأمور الإستراتيجية والأمنية الهامة. بالفعل تم اللقاء، ناقشنا بعض الأمور التي أوعِز بمناقشتها باعتباري وزيرة خارجية ثم غادرتُ الاجتماع.


س/ هل كان الاجتماع بالتنسيق بينك وبين الإسرائيليين أم بين الحكومة والإسرائيليين؟
ج/ كنت مكلفه من رىيس الحكومه عيد الحميد الدبيية بإجراء اللقاء وبعد عودتي جلست معه لإحاطته بتطورات اللقاء، وتم التنسيق بين الحكومة والإسرائيليين، الترتيب لهذا الاجتماع لوجستيا لم يكن من طرفي، وأنا باعتباري وزيرة خارجية مكلفة من رئاسة الحكومة وبتالي دوري محدد وهو إيصال الرسالة، وأنا هنا أقول أن الجانب الليبي لم يستطع معالجة هذا الموضوع ، معالجته كانت بسيطة جدًا، الإدلاء بتصريح من رئيس الحكومه لشرح اللقاء وأنه ليس تطبيع وأنه كان لغرض مناقشه أمور اخري ولكنه رفض تحمل المسؤولية.


س/ ما هي المواضيع التي ناقشها الاجتماع؟
ج/ نعلم أن موقع ليبيا موقع إستراتيجي مهم جدًا بالنسبة للبحر المتوسط، وهناك الكثير من الأمور الأمنية والإستراتيجية الحساسة التي تهم أمن واستقرار ليبيا. تمّت مناقشتها دون الدخول في التفاصيل مع الجانب الإسرائيلي، وتم عرض ما نحن قلقون بشأنه أو التحفظات أو الأفكار التي نتحاور بها مع الجانب الإسرائيلي، هم تحدثوا عن حقوقهم وامكانية رجوعهم، وأنا قلت أنا لا أملك هذا القرار ، هذا القرا يملكه الليبيون ولا أمله أنا، ولكن فقط أرسلت الرسالة كما هي من الجانب الاسرائيلي للحكومة.


س/ ما هي تحفظاتكم؟
ج/ لا أستطيع الدخول في التفاصيل لأنه كان لقاء أمني وسري لأغراض أمنية وإستراتيجية، وكان حول أمن حوض البحر المتوسط والمحافظة على مواردنا المائية والنفطية والطاقة. نحن نعلم أن كل دول البحر المتوسط لها خاصية معيّنة، وهناك الكثير من القواسم المشتركة الأمنية والجيوسياسية. كان هذا محور اللقاء.


س/ لماذا كان اللقاء سريًا إن كان يناقش الأمور المتعلقة بمصالح ليبيا؟
ج/ هذا الترتيب اللوجستي لم أكن طرفًا فيه، من حيث ترتيب الاجتماع ووضع أجندة. باعتباري وزيرة خارجية مكلَّفة من رئاسة الحكومة، فإن دوري محدد والهدف إيصال الرسالة والتواصل بهذا الخصوص وفقط.


س/ ما سبب تنصّل الطرف الذي كلفكِ بهذا الموضوع؟
ج/ أعتقد أنه كان هناك عدم حكمة وعدم قدرة على معالجة هذه الأزمة. الجانب الليبي لم يستطع معالجة الموضوع، رغم أن معالجته كانت بسيطة.


س/ هل شعرتِ بفخ نُصب لكِ في هذا الموضوع؟ هل كان التسريب متعمدًا من الجانب الإسرائيلي؟
ج/ أنا استغربت؛ لأنه تم الاتفاق على أن يكون رسميًا وغير معلن، ولا أستطيع أن أحكم ما هو المبرر لتسريبه. المشكلة لدي ليست في التسريب، بل في معالجة الخبر. عندما يكون هذا عملًا دبلوماسيًا فأنا أقود الدبلوماسية الليبية، وبالتالي عملي مقابلة وزراء الخارجية والجلوس مع مَن أتفق أو لا أتفق معه. جلوسي لا يعني اتفاقي مع سياسات أي طرف، ولكن هذا واجبي كدبلوماسية تهتم لمصالح بلدها بالدرجة الأولى.


س/ هل تعتبرين ما حدث ليس خطأ، كونك دبلوماسية وعليك أن تلتقي بمن تتفقين أو لا تتفقين معه؟ هل لقاؤكِ بوزير الخارجية الإسرائيلي السابق كوهين خطأ؟
ج/ أنا أعتبره خطأ من ناحية المبدأ، لأن المقابلة لم تكن كما تناقلتها وسائل الإعلام. كانت محددة ولمواضيع معيّنة. وكما يقال “رب ضارةٍ نافعة”. عندما بدأت الحديث مع الوفد كنت شفافة وواضحة، وحاولت أن أوضح أن موقف الليبيين الشرفاء والعرب، وموقفي شخصيًا كنجلاء المنقوش وموقفي كوزيرة خارجية، أننا نعترض ولا ندعم السياسات المتطرفة للحكومة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة. نحن نؤمن قلبًا وقالبًا بالقضية الفلسطينية، تربّينا عليها وترعرعنا عليها.


س/ هل وجّهتِ هذا الكلام للوزير الإسرائيلي؟
ج/ نعم، حدّثته بهذا الكلام، وكنتُ جدًا منتقدة لسياساتهم. أخبرته بوجهة نظر الليبيين وكيف يرونهم من خلال كل التاريخ الحافل بالعنف والدماء وانتهاك حقوق الفلسطينيين.


س/ ما هي ردّة فعل كوهين؟
ج/ كان يستمع إليّ بدون تعليق، بتحفّظ، وحاول أن يشرح أنهم لديهم حقوق، وأنه قد يُرى الصراع من زاوية واحدة وليس من زاويتين. قلت له: “أنا لست هنا في إطار مناقشة هذه التفاصيل، بل أريد أن أبدي رأيي صراحة وموقفي الوطني والثابت تجاه القضية الفلسطينية، ثم نناقش بعض القضايا الأخرى في نصابها الحقيقي.”


س/ ناقشتِ مع كوهين الغاز الليبي. هل تقصدين أن الغاز الليبي يُسرق من طرف الإسرائيليين؟
ج/ ليس موضوع السرقة، إنما المحافظة على الموارد. نعلم أن هناك اتفاقيات بخصوص الغاز والنفط في المتوسط تمت مع الكثير من الدول، منها اليونان وإيطاليا وتركيا، التي نتشارك معها البحر المتوسط. ونعلم أن قصة المياه الإقليمية والمحافظة على الموارد النفطية والغازية موضوع دائم الشائك حتى في القانون الدولي. هذا من أكبر المواضيع التي نعاني منه في البحر المتوسط. تم استعراض هذا الموضوع كإطار عام، وأنه قد يكون هناك بعض التجاوزات والأفعال من قبل شركات قد يكون لها تعاون مع الجانب الإسرائيلي.


س/ هل هناك شركات إسرائيلية بغطاء يوناني؟
ج/ قد يكون هذا جانبًا من الحديث.


س/ قلت إنكِ شرحتِ لكوهين موضوع القضية الفلسطينية، رسميًا وشعبيًا، لليبيين. البعض فهم أن هذا تطبيع أو تمهيد للتطبيع. كيف تردين على مَن يقول إنك دشّنتِ طريق التطبيع مع إسرائيل؟
ج/ أنا لا أتحدث عن رد الفعل العفوي والجميل والصادق من الشعب الليبي المعروف بأنه شعب وطني، والقضية الفلسطينية دائمًا من أولوياته. ولا ألوم الليبيين الذين لم يسمعوا القصة كاملة ولم يعلموا الغرض من هذا اللقاء. نحن في الحدث ذاته تم الافتراض بأنه هناك تطبيع، ولم يكن هناك مجال للتوضيح. طلبت من الحكومة عندما تسرّب الخبر أن أخرج للإعلام وأشرح ببساطة ما حدث فعلًا، وأضعه في إطاره الصحيح. لكن عدم معالجة الأمر بحكمة وقيادة رشيدة جعل هذا الموضوع في متناول الإعلام.


س/ إذن موضوع التطبيع لا علاقة له أبدًا بهذا اللقاء؟
ج/ لا علاقة له باللقاء. دائمًا النية وما هي الإستراتيجية وراء اللقاء. هل أنوي التطبيع، أم أنوي مناقشة مسائل عالقة ومواضيع أمنية حساسة باعتبار أن ليبيا تتأثر بما يحدث في العالم، سواء كان هناك نزاع أو استقرار أو مشاكل في الغاز أو في الاقتصاد. وبالتالي هذه المواضيع لا تعني أننا لا نناقشها، والمقابلة لا تعني التطبيع. الكثير من الدول العربية الرائدة حاولت الجلوس معهم بهدف التفاوض لحلحلة القضية الفلسطينية وإرجاع حقوق الفلسطينيين، ولغرض وضع ضغط دولي وفتح مجال للتواصل مع الجانبين لإيقاف الحرب والاستنزاف الذي طال الفلسطينيين الأبرياء.


س/ هذا الكلام تقوله كل الدول التي طبّعت مع إسرائيل؟
ج/ ممكن، لكن كلٌّ معروف. نحن في وضع ومرحلة حساسة تتطلب الحفاظ على مصالحنا وأن نكون متواصلين مع كافة الدول الأخرى بما يسمح باستقرار ليبيا ومصالحها. أنا كدبلوماسية هذا واجبي الأول والأخير. وأؤمن بأن الحديث والجلوس مع العدو هو من صلب العمل الدبلوماسي الحقيقي. إذا كانت بعض الدول ترغب في التطبيع فهذا شأن خاص، وأنا لا أملك قرار التطبيع، بل يملكه الليبيون. ولستُ في محل لأقرر نيابة عن هذا الشعب الأصيل، ولم تكن هناك أي نية لهذا القرار.


س/ ألا تعتقدين أن هناك تنافسًا بين أقطاب السلطة في ليبيا، بعضها يريد التودّد لإسرائيل واستغل هذا الأمر لصالحه؟
ج/ قد تكون هذه النية موجودة، لا أستطيع التحدث نيابة عن الجميع. أنا أتحدث كوزيرة خارجية تمثل وزارة الخارجية وتمثل كل الليبيين قبل أن تمثل حكومة الوحدة الوطنية. مصالح الليبيين هي بالنسبة لي الأساس والأولوية، وعلى أساسها أنطلق في كل مكان. كنتُ متحمّلة مسؤولية كل تصرفاتي؛ لأني على يقين تام أن الغرض من هذا اللقاء لم يكن وراءه أي شيء آخر أو كما تداول في وسائل الإعلام. لا أستطيع التكلم نيابة عن الآخرين. ما أستطيع التحدث عنه هو نيتي وإستراتيجيتي وعقيدتي تجاه هذا الأمر.


س/ ألا تعتقدين أنكِ تأخرتِ في شرح هذا الأمر، والناس ترسخت لديها فكرة أن الدكتورة نجلاء المنقوش ذهبت للتطبيع؟
ج/ نعم تأخرت لأسباب عديدة، وهنا يحضرني قول سيدنا علي رضي الله عنه: “عندما يسكت أهل الحق يظن أهل الباطل أنهم على حق”. سكوتي تُرجم وفُسّر بطريقة غير حقيقية، ولكن أصنّفه تجاه نجلاء المنقوش كمواطنة، ربما تكون ردة فعلي مختلفة. لكنني فكرت بمنصبي كوزيرة خارجية، كإنسانة مسؤولة، وهذا منصب شرف ويتطلب الكثير من الواجبات. يتطلب الحكمة والصبر والابتعاد عن الفوضى التي حصلت والقيل والقال، وتقييم الأمور عن بُعد. بالإضافة إلى أن سكوتي كان انتظارًا للتحقيق الذي قررته الحكومة في هذا الشأن وإحالتي للتحقيق. تمّت إحالتي للتحقيق شهر أغسطس الماضي لعام 2023 إلى يومنا الحالي، ولم يتم التواصل معي على الإطلاق. حاولت عن طريق الكثير من الأصدقاء المقربين وبعض الزملاء العرب على المستوى الدولي أن أسأل الحكومة عن سبب التأخر في التحقيق إلى الآن، ولم يكن هناك أي إجابة واضحة بل تبريرات وأعذار “انتظري قليلًا”. ولكن هذا الانتظار طال. ومنذ غيابي عن الساحة الدولية إلى يومنا الحالي هناك وضع سياسي واقتصادي حساس مرت به ليبيا، ووزارة الخارجية بلا وزير خارجية تعتمد عليه. أنا خريجة قانون وأحمل الماجستير في القانون الجنائي ومحامية وأؤمن بدور القانون. كمواطنة ليبية أنا لست فوق القانون، بل أحترم القانون، وكنت على استعداد للمثول أمام التحقيق لأثبت للجميع أنني متعاونة وليس لدي ما أخفيه، ولم يكن هناك أي دعم أو تواصل أو شرح أو تفسير لما يحدث.


س/ ماذا يدل طلب مغادرة البلاد وعدم التحقيق معكِ؟ هل هناك مخاوف من انكشاف أمر ما للرأي العام؟
ج/ الدلالات غامضة. أنا كنتُ جزءًا من الوفد وأجزم أنه لم يكن هناك شيء يستدعي القلق. لا أعلم ماذا وراء القرارات أو الآراء السياسية. في نظري رأيتُ أنها مجحفة وغير عادلة. ورأيت أنه من حقي التواصل مع الشعب الليبي الذي أحيّيه من قلبي، ولكل الليبيين والليبيات الشرفاء حتى الذين خرجوا للشارع محتجين، ولكل العرب. أعتقد عندما تم تسريب الخبر تم تداوله في الإعلام وفي كثير من الصفحات بطريقة مشينة وغير واضحة، وتشير إلى اتهامات بموضوع التطبيع وتواصل إسرائيلي. أنا ليس لدي وسائل تواصل اجتماعي، لكن كان هناك قدرة على احتواء هذا الموضوع بطريقة سهلة وحكيمة وبمنتهى البساطة، وكانت تستطيع الحكومة القيام بهذا الدور. وهم يعلمون أنني كنت من أكثر الوزراء المخلصين، ورؤيتي وغرضي وأجندتي الوحيدة هي استقرار ليبيا.


س/ بعد هذا اللقاء، هل اتصل بك رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة؟ هل ستردين عليه؟ وهل ستعودين إلى ليبيا إذا طلب منكِ ذلك؟
ج/ نعم سأرد، فهو رئيسي. لكن ربما أعود أو لا أعود، لا أعلم.


س/ لو افترضنا أن هذا اللقاء سيتم مع وزير الخارجية الإسرائيلي السابق إيلي كوهين، هل من الممكن أن يتم بعد السابع من أكتوبر؟
ج/ أعتقد أنه مستحيل بعد السابع من أكتوبر؛ لأنه موضوع حيوي ومهم بالنسبة لنا من ناحية المبدأ، فالجلوس معه بعد هذه المجزرة والانتهاك الصارخ يُعد موافقة على ما يقومون به.


س/ لماذا اخترتِ تركيا للمغادرة؟
ج/ لستُ أنا مَن اخترتها بل الحكومة هي التي اختارتها. ذهبت إلى تركيا بطائرة خاصة. اعتقدت أن الموضوع سيكون يومًا أو يومين لحلحلته، وشعرتُ بأنني قريبة وقد يستدعونني في أية لحظة للتحقيق. ولكن مضت الأسابيع والأشهر ولم يكن هناك أي تواصل.


س/ من تركيا إلى بريطانيا، لماذا اخترتِ بريطانيا؟
ج/ ذهبتُ عند ابنتي التي تدرس هناك، وأحببتُ أن أكون بجانب بناتي. فالجزء من التضحيات التي تقومين بها عند موافقتك على استلام منصب مثل هذا هو تقصيرك في الجانب العائلي وابتعادك عن بناتك. أزورهُن لغرض العطلة والتأكد من أحوالهن. شعرت أنها فرصة لأرعى ابنتي، فحينما تقع الأزمات نحتاج إلى أن نكون قريبين من عائلتنا.


س/ هل تحلمين بالعودة إلى ليبيا؟
ج/ أكيد. ليبيا في دمي وفيها ذكرياتي وأحبابي. لطالما حلمت باستقرار ليبيا وعزّها. أفتخر بأنني ليبية، وتم تعييني في هذا المنصب المشرف، وهمّي وأجندتي أن تصل ليبيا لبر الأمان.


س/ ما موقفك وكيف ترين موضوع السلام في الشرق الأوسط، وآفاق حلول الصراع العربي الإسرائيلي؟
ج/ أي صراع أنظر إليه من منظور إدارة الصراع والسلام، كأنك تدرسين طبًا عامًا للفحص والتقييم، ثم تصفين خطة واستراتيجية للعلاج. أجد أن هناك الكثير من التقارب، خاصة أن والدي طبيب وأنا متأثرة بذلك، إذ إن الطب يقوم على التحليل. وأنا أحب التحليل. دراسة إدارة الصراع أعطتني المادة والآلية التي أقوم بها لتحليل الصراع. ونحن كثيرًا في الحلول السياسية نريد الوصول إلى نتيجة من دون وضع جهد كبير في التحليل ووضع استراتيجيات وجهد حقيقي نحو السلام الذي أصبح لغة مرفوضة من قِبل الكثير من الدول الكبرى التي تشجع على صناعة الأسلحة وقيام الحروب ومنطق القوة. إذا لم يكن منطق الحوار والسلام واضحًا وله أسس ثابتة مبنية على تحليل إستراتيجي عميق يقوم به أشخاص أكفاء وباحثون وأكاديميون يعملون في هذا المجال إلى جانب سياسيين مخضرمين، فنحن نحتاج منظومة متكاملة ورؤية شاملة لوضع حدّ لهذا الصراع، بما فيها المفاوضات والحوار. لا نستطيع الحوار والتفاوض قبل وقف إطلاق النار، لأن كلا الطرفين يجب أن يضمن وجود استقرار خلال مناقشة هذا الصراع العميق والمعقد. هذا صراع تاريخي وُلدنا عليه وعشنا فيه وسمعنا عنه، ورأيناه كيف يتطور عبر السنوات، ومن اتفاقية سايكس بيكو إلى يومنا الحالي ونحن نذهب إلى منحدر بعيد كل البعد عن مناقشة إطار السلام. يجب أن يكون هناك أجندة واضحة لحل الدولتين وأن الفلسطينيين لهم حقهم في أرضهم.


س/ لكن إسرائيل لا تعترف بحل الدولتين؟
ج/ يجب أن نفرق بين حكومة متطرفة ترفض الإنصات لمطالب الفلسطينيين والرضوخ للمجتمع الدولي ومطالبه، والتفاوض معها صعب، وبين الإسرائيليين بصفة عامة، فهناك مَن يعارض سياسات الحكومة. والكثير من اليهود يعارضون سياسات هذه الحكومة أيضًا. منهم في اللوبي الأمريكي، ولهم تأثير على السياسة الإسرائيلية، ويقومون كل يوم بالتظاهر والاعتراض على السياسة المتطرفة. الأمل بالعمل مع هؤلاء لأن لديهم فكرًا أوسع ووجهة نظر أبعد لخلق السلام، ويمكن العمل معهم على خطة إستراتيجية طويلة. هناك الكثير من المبادرات الإيجابية التي نفخر بها ونثمّنها، كدور قطر في التفاوض، ووقف إطلاق النار، وتحرير الرهائن، وإيصال القضية الفلسطينية إلى بر الأمان، ومجهودات من الكويت وسلطنة عمان، والكثير من المبادرات الجميلة والمحمودة. لكن أتمنى إطارًا أجمل وأشمل تكون فيه كل هذه الدول تعمل تحت مظلة واحدة للوصول إلى الأهداف والنتائج ذاتها. الأمل موجود و”دوام الحال من المحال”، لكنه يحتاج منا الإيمان الحقيقي بهذه القضية وقدراتنا وفتح المجال لحوار موسع وشامل لكل أطياف المجتمع وليس محصورًا في السياسيين.


س/ الناس تقول إن معمر القذافي هو الوحيد الذي كان يفهم موضوع القضية الفلسطينية؟
ج/ معمر القذافي شخصية جدلية في السياسة الليبية والعربية، وهناك الكثير كانوا متحفظين على سياسته. القذافي كان يعتمد على القضية الفلسطينية، وكلامه قاسٍ وتشبيهه للواقع العربي فيه الكثير من السخرية. ولكن عندما باشرت السياسية، وجدت أن هناك وجهة نظر وجزءًا من الحقيقة في كلامه وتوجهاته. في بعض الملفات هناك الكثير من الذكاء والفطنة.


س/ ربما أكثر في الملفات الخارجية مثل الهجرة غير الشرعية والقضية الفلسطينية أكثر من الشأن الداخلي؟
ج/ نعم، لاحظت ذلك، خاصة أن عملي يركّز على الشأن الخارجي أكثر من الداخلي، وإن كان لدي اهتمامات داخلية. منذ قيام الثورة، لم ترجع ليبيا إلى المحافل الدولية بالقوة والوجود الدولي الحاضر والراسخ، فغاب صوت ليبيا، صوت الحق والمناداة باسم الليبيين. أصبح كل شخص يتحدث عن مصالحه الشخصية واهتماماته وطائفته أو وجهة نظره. افتقدنا الصوت الذي يمثل الليبيين، وحاولت جاهدة عندما توليت منصب وزيرة الخارجية أن أملأ هذا الفراغ، وكان ذلك صعبًا لأنني لم أعمل كوزيرة فحسب، بل عملت كمدافعة عن حقوق ليبيا والمرأة. باعتباري أنا أول وزيرة خارجية في تاريخ ليبيا شعرت بمسؤولية تاريخية، والسياسة التي أحملها فوق كاهلي. شعرت أنه في أي مكان أتوجه إليه أو أتحدث فيه سأكون الصورة والواجهة لهذا البلد. كنتُ حريصة على أن أتحدث باسم كل الليبيين وواقعهم بكل شفافية. كثير من الزملاء كانوا يمزحون معي ويقولون: “أنتِ أكثر وزيرة خارجية صادقة وصريحة”، وأكاد أفتقد للدبلوماسية عندما يتعلق الأمر بمصلحة ليبيا والوطن. كنت مدافعة شرسة.


س/ في موضوع فلسطين، عندما تحدثتِ أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف وتحدثتِ بكل قوة عن ازدواجية المعايير في التعامل بين قضية فلسطين وأوكرانيا؟
ج/ نعم، في الدورة 49 في جنيف لحقوق الإنسان، وكانت بداية الأزمة الأوكرانية. كان الجميع، من دون استثناء، يتحدث عن الصراع الروسي الأوكراني، ولم يُشر أحد من قريب أو بعيد إلى القضية الفلسطينية. عندما افتتحت كلمتي قلت إننا متعاطفون مع ما يحدث في أوكرانيا، وكنت من أوائل الناس الذين استنكروا هذا الاعتداء. نحترم حقوق الأوكرانيين، ولكن هذا لا يعني أن ننسى القضية الفلسطينية، القضية الأم، وطلبت من المجتمع الدولي أن يتوقف عن استخدام المعايير المزدوجة (Double Standards). يجب أن نرى أن ما يعانيه العرب لا يختلف عما يعانيه الأوكرانيون، بل هو أطول وأعمق وأكثر تعقيدًا. ينبغي أن نلتزم بهذه المعايير في المجتمع الدولي وألا نركز على جانب وننسى جانبًا آخر. كانت الكلمة قوية وصداها إيجابي جدًا. عندما عدت إلى مكتب البعثة الليبية في جنيف، تفاجأت بحضور الوفد الفلسطيني بكامله للتهنئة والشكر على هذه الكلمة، وألبسوني الكوفية الفلسطينية. شعرت بالفخر والفرح وقلت: “هذا واجبي كوزيرة عربية وليبية، وهذا أقل شيء ممكن أن أقوم به تجاه القضية الفلسطينية.”


س/ شاهدناكِ بالكوفية وأنتِ تستقبلين وفدًا أمريكيًا رسميًا؟
ج/ كان هذا أول وفد أمريكي حضر إلى طرابلس، وكان برئاسة جيهون الذي كان مستشارًا آنذاك لبلينكن، والآن هو سفير. أوجه له تحية، وهو شخص محترم. بالطبع دائمًا هناك فرق بين العلاقة الدبلوماسية والمواقف. كنت أحب أن أؤكد هذا الموقف، وكنت أرتدي الكوفية الفلسطينية عند استقبال السيد جيهون والوفد المرافق له. هذا معروف حتى في البرلمان ومجلس الشيوخ الأمريكي وفي الأمم المتحدة، فحرية الرأي في إظهار التعاطف أو المساندة أو الدفاع ليست لها علاقة بعلاقتك مع دولة معينة. هي إظهار القيم المهمة بالنسبة لك أنت كسياسي ومواطن.


س/ هل يمكن أن ترتديها لو تكرر الموقف بعد 7 أكتوبر؟
ج/ أكيد، أرتديها في عدة مناسبات. جاءني وفد فلسطيني لزيارة مكتبي في زيارة رسمية، ولبستُ الكوفية. كانت أصغر سفيرة فلسطينية حضرت حفلًا خاصًا في الإعلام في ليبيا، ولبست الكوفية وصوّرت معها. هذا شيء يدعوني للفخر، وجزء من هويتنا نحن العرب، وجزء من انتمائنا ودفاعنا ووقوفنا لجانب هذه القضية، فهي قضية تاريخية ومصيرية بالنسبة لنا.


س/ هذا موقف نجلاء المنقوش أم الحكومة؟
ج/ هذا موقفي شخصيًا، نعم. وموقف الحكومة أيضًا، حتى أكون منصفة، فالقضية الفلسطينية حساسة لكل الليبيين. نحن تربّينا عليها ورأيناها. كانت هناك لحظات من عمري كطفلة، وكانت هناك قناة واحدة في التلفزيون، ونصف الوقت يعرض أخبار الفلسطينيين ومعاناتهم. هذه جزء من خلفيتنا الثقافية والاجتماعية التي تربينا عليها كليبيين.


 

س/ نجلاء المنقوش أكاديمية وقريبة من العلم والأجواء الأكاديمية. كيف خطر لكِ أن تتحولي من عالم البحث والأجواء الأكاديمية إلى عالم السياسة وصناعة القرار وتمثيل الدولة في المحافل الدولية؟ نريد أولًا أن نعرف من اتصل بك، وعندما اتصل بك الشخص الذي طلب منك الانضمام لحكومة الدبيبة، ماذا كان وقع هذا الطلب عليكِ؟ وهل وافقتِ؟
ج/ لم أكن يومًا أتخيل أن أكون وزيرة خارجية، لأكون صريحة. كان همّي دائمًا استقرار ليبيا. كنت بعيدة؛ عندما كنت في أمريكا كنت منغمسة في الدراسة، أنهيت الماجستير وكنت في مرحلة الدكتوراه، أدرس وأعمل في الجامعة. كانت ليبيا دائمًا جزءًا من كتاباتي وأبحاثي، وأستخدمها كقضية عندما نتكلم عن أي موضوع في المحاضرات والمجالس الأكاديمية. لم أتخيل يومًا أنني سأكون وزيرة خارجية ليبيا. تفاجأت بصديق قديم (فضّل ألا أذكر اسمه) من أيام الثورة، وهو شخص أعرفه من بنغازي، اتصل بي ليسأل عني. قال لي: “ما رأيكِ أن تكوني وزيرة لليبيا؟” قلت له: “تمزح؟” لم يحدد وزارة الخارجية، بل قال وزيرة في ليبيا.
قال: “لا يوجد مزاح. أعضاء من البرلمان تواصلوا معي وأن ملفك مطروح، فما رأيكِ؟” شعرت بالذعر والارتباك وأغلقت الهاتف. قلت له سأرد عليك. أبقيت هاتفي يومين مقفولًا. كنت مصدومة لأني لست كباقي السياسيين.
لم أضع اسمي ولم أسعَ لأكون في هذه الحكومة، وهذا ليس عيبًا إن كان هناك مَن لديه طموح سياسي، ولكني كنت بعيدة عن هذه الأجواء. لما أخبرني، كانت صدمة بالنسبة لي. أتذكر أنني سألت بناتي، فشجعنني وقالوا: “إنها فرصة. درستِ وكافحتِ، وممكن أن تردّي الجميل لبلدك وتساعديه.” لم يكن سهلًا على أسرتي. والدي كان لديه تحفظ، خوفًا عليّ باعتباري البنت الكبرى، ونحن لم نمارس السياسة في تاريخ العائلة. دائمًا كنا أكاديميين وأطباء. بالتالي أن أكون سياسية فيه تحدٍّ للمنظومة الاجتماعية، ولكن بالإقناع اقتنع والدي وبارك هذه الخطوة مع تحفظ وخوف طبيعي لأن لي سنوات خارج ليبيا.
والدي الآن في بنغازي مع والدتي. كان له الدور الكبير في دعمي علميًا وأكاديميًا، وفي تسليحي بالعلم.


س/ لماذا اعترض؟
ج/ كانت فكرة جديدة. ومن باب الخوف، كان يرى أن الأمور ليست مستقرة في ليبيا وقد تكون مجازفة. رآني مستقرة في أمريكا، لدي منزل ووظيفة، فلماذا هذا القرار المفاجئ؟ ولم أكن في بالي أن أرجع. طبعًا سأرجع، ولكن ليس محددًا أن أكون وزيرة. بالتالي كان الموضوع جديدًا وأثار قليلًا من الجدل. ولكن تدخل الأقارب الذين يؤمنون بقدراتي وإدراكي لحجم هذه المسؤولية، كعمتي وأحد أقارب والدي. جدتي لوالدي كانت في الخمسينيات والستينيات ناشطة في المجتمع المدني، وكانت تفتح بيتها على مصراعيه لاستقبال الكاتبات والشاعرات في بنغازي.
أنا أصلي من مصراتة، وجدي ولد في بنغازي وعشت في بنغازي، ويشرفني أن أكون من مصراتة وعشت في بنغازي وعملت في طرابلس. أنا ليبية أنتمي لكل ليبيا. جدتي كانت محبة للعلم، تتحدث اللغات بطلاقة. عشنا وتربينا في جو يشجع على العلم والانفتاح والتواصل مع المجتمع الخارجي. ورثت هذا منها. بعدها قبلت المنصب وباشرت عملي.


س/ قلتِ بعدها: “نجلاء عليكِ أن تذهبي لطرابلس وتستلمي الحقيبة.” غادرتِ الولايات المتحدة. في أي ولاية كنتِ؟
ج/ كنت في ولاية فرجينيا.


س/ من فرجينيا إلى طرابلس، كيف بدأت الحياة السياسية لنجلاء المنقوش في طرابلس؟
ج/ بصراحة كانت فيها صعوبات كثيرة وصراع داخلي: ماذا أفعل؟ وما المتوقع مني؟ كان بعضهم يضحك عليّ أول ما وصلت. كنت أسأل الناس في الوزارة: “كيف أكون وزيرة خارجية؟” قالوا: “لا يوجد كتيّب يشرح كيف تكوني وزيرة خارجية.” النساء دائمًا عندنا هذه النقطة: نكون قاسين على أنفسنا أكثر، فنقول: هل نحن أكفاء؟ هل نحن قادرون؟ ودائمًا هناك حديث داخلي يشكك في قدراتنا، أو هناك خوف. وضع ليبيا يختلف عن أي دولة أخرى، وضع حساس فيه أطراف كثيرة، وأنا أول امرأة. وقد أكون مختلفة وغير تقليدية. قد يراني البعض مختلفة وغير متعودة على هذا الفكر.


س/ كيف وجدتِ الوزارة في هذه الحكومة؟
ج/ أولًا ما أحب قوله، وأوجه تحية للوزير السابق. طبقًا للمعايير السابقة، لم يكن هناك أي تسليم واستلام بين أي حكومة سابقة وجديدة. لكن عندما استلمت وزارة الخارجية، تم التسليم والاستلام بطريقة حضارية ومؤدبة ومحترمة. قمنا بحفل بسيط تقديرًا للوزير السابق، السيد محمد سيالة، وتمنى لي التوفيق وذهب بكل احترام. استلمت المهام.
فوجئتُ طبعًا، أنا امرأة ولست من وزارة الخارجية، ولم أكن موظفة فيها، وليس لدي ماضٍ سياسي، فاعتُبرت غريبة على هذا الجسم. وبالطبع تفاجأت بأربعة آلاف موظف خارج ليبيا وداخلها، بمن فيهم السفراء والبعثات. أذكر أول الأيام كنت صامتة وأسمع، كانت صدمة. أحاول أن أفهم ما يحدث.
أول أسبوع بهذه الطريقة، وبعدها حاولت أن أتعامل كما في الجامعات الأمريكية، أن أكون ميسِّرة أكثر من كوني وزيرة. كنت آخذ الآراء وأستمع كثيرًا، ولكن وجدت هذه الطريقة بلا جدوى. أصبحتُ أكثر صرامة، لأنني وجدت أنها الطريقة الوحيدة حتى يتم الاستماع لي واحترامي. كان هذا تحديًا لي قليلًا، لأنني أغير القالب الذي اعتدت عليه. تعلمت أن المرونة مهمة، وأن الإنسان يتعلم كل يوم.


س/ ما التحديات التي واجهتك كوزيرة خارجية؟
ج/ بالنسبة لي كانت مرحلة تعليم، أتعلم من الناس والزملاء والموظفين، ومن وزراء سابقين وعرب، كانوا كأنهم أشخاص يحفزونني ويشجعونني. عندما أكون في مأزق معين أتصل بهم وأناقشهم. كنت محظوظة بمجوعة من الوزراء الداعمين لي. الكثير من الموظفين والليبيين الشرفاء الذين لم أكن أعرفهم كانوا يساندونني. يعلمون أن هذا المنصب السيادي ليس سهلًا، حتى إن الكثير من الليبيين يقولون إنه صعب حتى على الرجل، فكيف بالمرأة؟
أنا “تكنوقراط”، لم آتِ خلفي حزب، ولا عندي أجندة سياسية معينة. أتيت لأعمل في هذه المرحلة الانتقالية لأوصل بلدي للانتخابات. كان كل همي وجهدي وتركيزي هو إنجاح هذه المؤسسة، ورفع اسم ليبيا دوليًا ومحليًا، ورد الاعتبار لها، والدفاع عن مصالحها المنهوبة، والتي تم الاستخفاف بها لأننا تنازلنا عنها ببساطة.


س/ هل تقصدين ثروات ليبيا؟
ج/ ثرواتها واسمها وحقوقها في المنظمات الدولية والإقليمية ومشاركتنا الفعالة في المنتديات والمؤتمرات؛ فقد كانت ليبيا مخفية وليس لها وجود كبير. كان لدي طموح كبير، بالإضافة لتحديات داخلية بالمؤسسة. المؤسسة تقليدية فيها مشاكل إدارية، تحتاج قرارات تطوير، وتحتاج تطوير البرمجة الآلية. أصدرت قرارًا بأن تكون كل الوزارة رقمية “ديجيتال”، فتمت معارضتي كثيرًا، وهوجمت لأن هذا قد يسد مسد الفساد وغيره.


س/ كان هناك فساد؟
ج/ موجود، في الوزارات والمؤسسات وفي كل مكان.


س/ يقال إن السفارات هي مرتع الفساد في وزارة الخارجية الليبية؟
ج/ لنكن موضوعيين. لا أُلقي باللوم على أحد بعينه، فهو يتحمل مسؤولية خطئه. لكن اختيار السفراء والقناصل ومسؤولي البعثات الدبلوماسية والموظفين لا يتم على أسس صحيحة وسليمة، بل بالمحسوبية والقريب والصديق و”شخص طيب”. أقول: ما علاقة كون شخص طيب بأن يصبح سفيرًا؟ نحن بحاجة إلى شخص قادر على إدارة هذا الملف. بالنسبة لي السفير رسول هذا البلد؛ تصرفاته واعتقاداته وأخلاقياته وتواصله مع المجتمع الموجود فيه تمثل الدولة الليبية. يجب أن يكون في مستوى عالٍ. هذا جزء من التحدي الذي واجهته. جئت بهذا المنظور: أريد تأهيل السفراء وتنقيتهم وإعادة تقييم السفارات وإغلاق الكثير منها. لكن تم محاربتي في هذا المجال.


س/ هل تستطيعين، كدكتورة نجلاء المنقوش، أن تقولي: “هذا السفير غير صالح، أعين سفيرًا آخر أو أقيله”؟
ج/ لا، ليست لدي هذه الصلاحية. هذا كان جزءًا كبيرًا من المشكلة، لأن هذا بيد المجلس الرئاسي والحكومة. لديهم نظرة أخرى للأمور، يريدون إرضاء أطراف وجهات معينة. لديهم حسابات سياسية أخرى. أما أنا فحساباتي عملية: أريد من هو الكفء والأقوى والقادر على تمثيل بلادي بالصورة الحقيقية. لا بد أن يعمل 24 ساعة وأن يكون كفؤًا. هذا ما اصطدمت به. حاولتُ إقناعهم كثيرًا بهذه الخلفية، لكن لم يتم الاستجابة. تمّت السيطرة بالكامل على موضوع تعيين وإقالة السفراء، وهذا من جوهر صلاحيات أي وزير خارجية في أي دولة بالعالم. شعرتُ بالإحباط والغضب، لكن ركزتُ على الأشياء التي أستطيع التحكم فيها وتغييرها.
طبعًا كان لدي تجربة أول ما توليت المهام: أقالت ثلاث سفراء من مناصبهم في جامعة الدول العربية وواشنطن وسلطنة عمان. السبب الوحيد أنهم جميعًا بقوا في مناصبهم أكثر من 8 سنوات، بحكم القانون الدبلوماسي يجب أن يبقى السفير 4 سنوات، وإن جدّدت الدولة له فذلك لامتلاكه إمكانيات ومهارات مهمة. هؤلاء السفراء كانوا مخالفين، ولم تتوفر فيهم الكفاءة المطلوبة. فكانت حربًا.


س/ هذا الواقع كان موجودًا منذ أيام القذافي؟
ج/ كان موجودًا، لكنه أصبح أكثر وضوحًا وضعفًا بعد الثورة.


س/ فكرة أن سيدة اسمها نجلاء المنقوش تأتي لتكون رئيسة لأربعة آلاف موظف أكثرهم رجال، ليست سهلة. هل تعرضتِ لمشاكل كونك امرأة وليست كوزيرة؟
ج/ نعم، واجهت مشاكل في سوء الفهم؛ لأن التفكير يتطلب تحدي المعتقدات المسبقة. كان من الأسهل للكثيرين أن ينظروا لي كامرأة: اليوم ترتدي اللون الفلاني أو الفستان أو الحذاء الفلاني. هذا كان كل تعليقهم وتقييمهم لأدائي. ليس الجميع بالطبع، ولكني أتكلم عما رأيته وأغضبني: تم اختصار عملي وجهدي كامرأة تبذل جهدًا لبلدها في الإطار الشكلي فقط. وأنا أرد على المشككين: الإطار الشكلي جزء لا يتجزأ من شخصية الوزيرة أو أي امرأة ناجحة وعاملة، يجب أن تعطي الصورة الحضارية الراقية عن مجتمعك. لم أرتدِ يومًا شيئًا مخالفًا للعادات والأعراف الليبية. كنتُ دائمًا أراعي هذه الأشياء، حتى قبل أن أكون وزيرة.
تم تلخيص دوري في هذا الجانب. حتى من غير الليبيين: “أنتِ لطيفة وصغيرة السن على تمثيل دولة!” لا أعلم أهو مزاح أم انتقاد. كنت أقابل هذا الكلام بهزة رأس وابتسامة، وأقول نعم أنا أتعلم منكم. هذا منهجي، التعلم والإنصات. أحب التعلم من القيادات الكبيرة ورؤساء الدول. كنتُ محظوظة برؤيتهم والجلوس معهم، بعضهم أبهرني بحكمته وقيادته في تحليل الأمور السياسية.


س/ شخصية معينة في ذهنك؟
ج/ الكثيرون. لكن بالنسبة لي الشيخ تميم من الأمراء والرؤساء المحترمين، صادق في تواصله مع الناس واهتمامه بقضايا العرب، وبشوش وعنده سلاسة ومرونة. كذلك الرئيس عبد المجيد تبون، كنت أحب أن أسمعه، وزرت الجزائر أكثر من مرة. الشيخ نواف الصباح من الشيوخ الحكماء. تحدثني عن تاريخ ليبيا وقصص. هذا الحديث يشدني بالفعل. هناك الكثير من الرؤساء الآخرين قابلتهم وكنت محظوظة بلقائهم.
أيضًا زملائي: وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن (الآن رئيس وزراء)، تعلمت منه الكثير وكنت دائمًا ألجأ إليه عندما يكون لدي سؤال. وزير خارجية سلطنة عمان السيد بدر البوسعيدي، السيد عثمان الجرندي وزير خارجية تونس السابق، رمضان العمامرة وزير خارجية الجزائر السابق، والكثير من الوزراء. كانوا مهتمين بنجاحي ومحبين أن يروني أحقق إنجازًا. كثير من الموظفين الليبيين الشرفاء لم أكن أعرفهم ساعدوني. كانوا يعرفون أن المنصب السيادي ليس سهلًا. كنت محظوظة.


س/ توصفين بأنك وزيرة نشيطة في الجامعة العربية والمحافل الدولية والأمم المتحدة وداخل ليبيا وخارجها، والدول الجارة، حتى في الجنوب الليبي. لكن توصفين أيضًا بأنك شخصية ثائرة ضد الأساليب التقليدية أو المدارس السياسية الكلاسيكية القديمة. هل هذا صحيح؟
ج/ نعم، لكن ليس بمعنى الثورية الخالصة؛ بل يجب أن نتطور بتطور المجتمع. عندنا منظومة أفكار ومنهجية قديمة فيها جانب مهم وحكيم، يجب أن نستند عليه، لكن حكمة الحياة التطور والتغيير. نغير لباسنا كل يوم ونأكل طعامًا مختلفًا، فلماذا حين نأتي لأفكارنا ومعتقداتنا نجد صعوبة في تغييرها؟ نواجهها بالصد أحيانًا لأنها غريبة عنا أو برفضها لأننا لا نريد أن نتحدى أنفسنا.


س/ ذكرتِ أشياء جميلة عن علاقتك مع زملائك من الدول العربية، لكن بالتأكيد هناك أشياء تحزّ في نفسك، حدثت ربما وأنتِ نادمة عليها كوزيرة خارجية؟
ج/ في طبيعتي لا أندم أبدًا. أعلم أنني إنسان، قبل أن أكون سياسية، ومعرضة للخطأ كأي شخص. قد أقوم بأخطاء، لكنها دروس أتعلم منها وأتركها وأستمر. لو ندمت على كل شيء فلن أستمر أو أنجح أو تكون لدي القدرة على التغيير. كنتُ قاسية في تقييم نفسي. أسأل المقربين والزملاء: هل هذا التصرف صحيح؟ هل الأسلوب سليم؟ بدأتها بخجل وتحفظ. كنتُ أستمع أكثر لأطوّر نفسي. بعد مرور الوقت أصبحت الأمور أكثر سلاسة. عندما أكون صادقة مع نفسي قدر الإمكان، وأكون واضحة في إستراتيجيتي وأجندتي، فمن السهل عليّ التواصل مع كل المستويات. الناس تدرك مدى جديتي والتزامي بمصالح بلدي. لو صدر خطأ كنت أعالجه فورًا إما بالاعتذار. أحيانًا كنت أنقل موظفًا ثم لا أنام لأفكر هل القرار صحيح، وقد أرجعه لمنصبه وأعتذر له حين أكتشف أنني لم أكن على دراية كاملة. الإنسان معرض للخطأ، ولكن كيف يعالجه هو المفتاح.


س/ في مرحلة شعرتِ أنكِ واثقة جدًا من نفسك، هناك اجتماع للجامعة العربية انسحب منه الوزير المصري سامح شكري. كيف تعاملتِ مع هذا الموقف؟
ج/ قبل أن أتكلم عن هذا الموقف، كان هناك صراع كبير لإعادة ليبيا للجامعة العربية بعد 10 سنوات من الغياب بحجة أن ليبيا في نزاع، وليس فيها استقرار، وأن الليبيين يتنازلون عن كرسيهم. كان هدفي أن تعود ليبيا بقوة. نحن من أكبر الدول المانحة للجامعة بعد السعودية. نحن موجودون تاريخيًا وسياسيًا وإقليميًا، لنا كلمة ومصالح ومشاكل يجب أن تُسمَع وتُؤخذ بعين الاعتبار كأولوية. رأيت أن من واجبي كوزيرة خارجية إعادة حق ليبيا بالجلوس على كرسي الجامعة العربية بقوة. هذا لم يكن سهلًا.
خلف الكواليس كانت هناك معارك دامية من بعض الدول لمنع ذلك. لكن بدعم تونس والجزائر والكويت وقطر والسعودية، وقفوا معنا. كانت هناك اجتماعات وكنت أتدخل في كل التفاصيل. مندوبنا والموظفون أعطيتهم التعليمات، ومستشار قانوني لمراجعة الهيكلية الكاملة للجامعة العربية. بعد جهد، تمكنا من استلام رئاسة جامعة الدول العربية.
السيد سامح شكري كان لديه تحفظ على حكومة الوحدة الوطنية، ويرى أن ليبيا ليست في صورة تمنحها القدرة على تولي المسؤولية. حاولت أن أشرح له عدة مرات مدى أهمية الأمر بالنسبة لنا، وأن الجامعة العربية ليست مصر وحدها، لكن كان له رأي آخر.


س/ مصر حينها كانت تعتبر أن ولايتكِ لم تكن شرعية، والحكومة غير شرعية، ولا انتخابات ولا دستور… إلخ؟
ج/ نعم، كان هذا جزءًا كبيرًا من ردة الفعل. أنا رددت عليه بأن موضوع الانتخابات ليس مربوطًا بالحكومة فقط، بل هو أشمل، وهناك مؤسسات أخرى معنية، وعلى الحكومة أن تكون صادقة في إجراء الانتخابات، ولكن لا أجد أن هذا الأمر يمنع ليبيا من ترؤس الجامعة العربية. بعض الزملاء العرب قالوا إن هذا لا علاقة له بشرعية الحكومة من عدمها.

س/ يبدو أن هناك شيئًا خلف الستار؟
ج/ لم أكن محظوظة بعلاقة مرنة وسهلة مع الوزير سامح شكري. كانت هناك تجاذبات وتحديات. كنت مصرة على ألا نتنازل عن كرسي ليبيا. بعضهم لم يعتد أن يروا ليبيا بهذه القوة، ربما. تكرر هذا الجدل. في النهاية تسلّمت رئاسة الجامعة، فغادر شكري مع الوفد المصري. لم أعلّق على الأمر، وأتممتُ الرئاسة بالكامل. أتذكر عندما أنهيت تسليم مهامي، كان يفترض أن أسلّمها لمصر، لكنه رفض استلام الرئاسة مني، فاستلمها السيد أحمد أبو الغيط، أمين الجامعة. وهذه سابقة.

س/ هل أثّر في نفسك هذا الأمر؟
ج/ أكيد، لكنه لم يؤثر في قدرتي على إدارة الملف أو المنصب؛ فالليبيون هم من أنجحوني، وكان عملًا متكاتفًا من الجميع. وزراء وزملاء عرب، موظفون والحكومة. كلنا كنا داعمين.


س/ هل تعتقدين أنه كان استصغارًا لكِ كامرأة؟ أم للحكومة الليبية غير الشرعية في نظره؟
ج/ كل هذه الأفكار واردة. كليبيين، منذ فترة طويلة لم ينظروا إلينا بتقدير واحترام لغيابنا والضعف والفوضى السياسية. لا أظن الموضوع شخصيًّا، لكنه ربما ازداد تعقيدًا لكوني امرأة. شعرتُ أنها إهانة بأني غير قادرة كامرأة.


س/ هل كان يحاول الوزير سامح شكري فرض وصاية مصرية على ليبيا بحكم الجوار والتاريخ؟
ج/ نعم، تعوّد أن يأخذ مساحة. جئت له بطريقة جديدة. استمعتُ إليه باحترام أول مرة. المرة الثانية قلت له: لو سمحت، أنا أجلس على كرسي ليبيا، فلا تتحدث عن ليبيا في وجودي. إذا أردتَ الكلام من باب الاهتمام والحرص كغيرك من وزراء الخارجية العرب فأهلاً وسهلاً. لكن أن تتكلم بالنيابة عني، فهذا مرفوض. كان هناك جدال. بعض الوزراء استغربوا ردة فعله. لكنه تمّ الأمر، ولم أغادر القاعة. بقيتُ فيها احترمًا لسيادة مصر والجامعة العربية.

س/ مع كل ما يحدث في غزة، وليبيا ممولة ثانية للجامعة العربية، هل ما زال ضروريًّا بقاء الجامعة؟
ج/ هي منظومة عربية مشتركة، تاريخيًا أقدم من الأمم المتحدة، لكن للأسف دورها معطّل بالكامل وغير فعّال. دورها ركيك جدًا، وغير قادرة على تنفيذ القرارات الصادرة عن جلساتها.

س/ ما السبب في ذلك؟
ج/ السبب هو إدارة هذه المنظمة؛ فيها الكثير من البيروقراطية. إدارة لا ترى احتياجات الدول الصغيرة والمتضررة كأولوية، ويتحدث فيها الصوت الأعلى للدولة الأكثر امتلاكًا للمال. في المقابل، تُهمل مشاكل الدول الأخرى. لكنها تبقى المكان الوحيد لكل الدول العربية، بما فيها فلسطين، حيث يُفترض أن نضمن حقوقنا وندافع عن مستحقاتنا، ونعالج مشاكلنا ونتآزر مع بعضنا. كثير من الزملاء في دول أخرى لا يحضر وزراء خارجيتهم في الكثير من الاجتماعات. إنه رسالة غير مباشرة بأن اجتماع الجامعة العربية شكلي. حاولتُ أثناء رئاستي القصيرة تفعيل دورها، لكن واجهت تحديات كثيرة.

س/ ماذا قصدتِ بأن مشكلة الجامعة العربية في إدارتها؟
ج/ ليس المقصود أحمد أبو الغيط لوحده؛ بل المنظومة بكاملها، من إستراتيجيتها ومدى فاعليتها. أصبحت شكليّة. أنا ضد إنهائها؛ لأنها المكان الوحيد الذي يمكن أن نحلّ به مشاكلنا. الآن لا يستطيع أحد مناقشة قضايا حسّاسة في جلساتها بحجج مختلفة. إذا لم تكن الجامعة العربية أداة لحل مشاكلنا ونزاعاتنا ووضع الأجندة العربية والفلسطينية والسلام كأولوية، فماذا تكون؟ صارت مجرد أداة للتصوير والغداء والعشاء. أحيانًا نحرص على إلقاء كلمات قوية، لكن كلها تُحال لإدارة الجامعة لأنه لا يوجد وقت كافٍ للاستماع. لا فرصة لمناقشة الهموم.

س/ ربما القذافي كان على حق؟
ج/ نعم، كان على حق فعلًا، وكان له نظرته. بغض النظر عن المآخذ الأخرى على سياسته، لكن رؤية القذافي للجامعة أنها باتت متهالكة أثبتها الواقع.


س/ هو نفس الاتحاد الأفريقي الذي جرت حوله كواليس لإدخال إسرائيل عضوة فيه؟
ج/ أي منظمة دولية فيها منظومة من الفساد وأشخاص يمثلون دولًا قد لا يكونون على قدر المسؤولية. هذا لا ينفي وجود محاولات جيدة. لاحظت الفرق في إدارة القرارات وصياغتها، وصوت الكل مسموع، وهناك عقلية عملية، وتقبّل لإدارة المرأة. معروف تاريخيًا أن المرأة في تلك الدول الأفريقية تكون في الصدارة.


س/ ما المانع من وجود نسخ لوزيرة خارجية جنوب أفريقيا في الدول العربية؟
ج/ لا يوجد مانع. لدينا نساء متميزات وجادات وذكيات قادرات على إحداث تغيير. المشكلة في المجتمع الذكوري الذي ينمط بعض المناصب للرجل.


س/ ليبيا فيها تعقيدات، خصوصًا بعد الثورة. كيف يمكن لوزيرة خارجية مثلك إقناع الدول بالحضور لمؤتمر “دعم استقرار ليبيا”؟
ج/ سؤال مهم. قبل المؤتمر، كان هناك تحضير مكثف تطلّب سفري قبل شهرين لإقناع الدول بالحضور، وكان جهدًا جماعيًا ودوليًا على مستوى الحكومة والمحبّين لليبيا والمؤيدين لاستقرارها، بأن وجودهم له دلالة عميقة للدفع بعجلة السلام. وفرحة الليبيين بالوفود كانت عرسًا. شعرت بدموع في عيني عندما حضرت الوفود لدعم ليبيا. شاركت دول عدة: البحرين، السعودية، مصر، فرنسا، إيطاليا، الكويت، قطر، الإمارات… كان بالنسبة لي هدفًا وطنيًا قوميًّا أن أقول إن ليبيا بدأت تتعافى، وقادرة على تنظيم مؤتمر بهذا المستوى. هذا من التحديات.


س/ عنوان المؤتمر “دعم استقرار ليبيا”. هل تحقق هذا العنوان على أرض الواقع؟
ج/ لا، لم يتحقق؛ لأن الاستقرار ليس مؤتمرًا واجتماعًا فقط، بل نتائجه وتوصياته يجب تنفيذها. وبعض التوصيات نُفّذت، والبعض الآخر تم التغاضي عنه. لا أحمّل اللوم للحكومة فقط، بل هناك تناقضات كبيرة. كانت هناك انتخابات ومشاكل أمنية، ولم تحدث الانتخابات.


س/ ما المانع من اجتماع الشرق والغرب؟
ج/ لا يوجد مانع. كان هدفي منذ أول يوم. أنا بنت الشرق، يحترمني مجلس النواب والحكومة والقيادة العامة، وأعمل في طرابلس. حاولت أن أكون جسرًا للتواصل من وراء الستار، وتقريب وجهات النظر. أتحدث باسم المصالح المشتركة. أخرج من وضعي في إطار معين أو قبيلة معينة. دوري أكبر من ذلك. كان هناك تجاوب، لكنه لم يكتمل لأنه يحتاج إلى قيادة على مستوى أعلى.


س/ المشكلة أين؟ هل مع حفتر أم في طرابلس؟
ج/ لنكن منصفين؛ الحرب الأهلية وما حدث في ليبيا جعل كل طرف لا يثق بالطرف الآخر، وفي غياب الثقة لا بد من بناء أواصرها وجسورها. هذا يحتاج وقتًا.


س/ هل الأطراف الإقليمية والخارجية تمنع هذا التواصل؟
ج/ عدم التواصل الواضح والرسمي فتح الباب للدول الإقليمية والدولية للتدخل في حلحلة الصراع. هذا شأن ليبي داخلي.


س/ نظريًا كلام جميل، وعمليًا كل طرف يستقوي بدول أخرى كمصر والإمارات؟
ج/ هذا خطأ.


س/ هل استُخدمتِ أداةً لتحقيق هذا التواصل؟
ج/ طلبتُ منهم ذلك كثيرًا. كان هناك تعاون من الجهة الشرقية، والجهة الغربية كانت تشك في قدرتي.


س/ هل التقيتِ حفتر؟
ج/ شخصيًا لا، لكن التقيت بالفريق صدام عدة مرات، وبالقاسم حفتر مرة واحدة. لدي تواصل معهم. جزء كبير من هذا التواصل ساعد في حلحلة مشاكل.


س/ هل الأمر صعب عليك، كوزيرة خارجية في حكومة واحدة، التعامل مع حكومتين وسلطتين متوازيتين؟
ج/ نعم صعب، ولكنه عمل فردي من إيماني بأن القضية الليبية يجب أن تُعالج بالحوار والتفاهم والتواصل البنّاء المبني على الاحترام والثقة والتقدير. الشرق له الحق في أن يكون موجودًا، والنواب صوت شرعي. لكن وضعنا الحالي جعل الكل غير شرعي لعدم وجود انتخابات.


س/ كيف يصنَّف مَن هو شرعي ومن هو غير شرعي؟
ج/ الحكومة أدّت اليمين أمام مجلس النواب. ثم سحب مجلس النواب الثقة من الحكومة، فرفضت الأخيرة. وظهر الخلاف. أحدهم يرى أن الحكومة لم تُعطَ وقتًا كافيًا، والآخر يراها فاشلة. هذا الاختلاف سبّب الانقسام.


س/ أنتِ جزء من هذه الحكومة؟
ج/ نعم، لكن لا يعني أنني أتفق مع كل تحليلاتها ومنظورها السياسي. كنتُ دائمًا أنتقد.


س/ سؤال شخصي ربما: هناك جانب عاطفي كونك ابنة الشرق وأهلكِ في بنغازي. عندما غادرتِ على متن طائرة خاصة بطلب من الحكومة إلى تركيا، هل استقبلكِ الشرق؟ هل ذهبتِ إلى بنغازي؟
ج/ البعد العاطفي أكيد موجود، عشتُ طفولتي فيها. عملتُ محامية ودرستُ هناك. اعتزازي ببنغازي لا يعني انحيازي السيّئ. عشتُ في بنغازي ومصراتة وطرابلس، أنتمي لكل ليبيا. لكن للإنصاف، المنطقة الشرقية والقيادة العامة دعمتني في الأزمة، وأثمن ذلك. كانوا حريصين على حمايتي وعلى مسيرتي المهنية، ومدركين أنني أمثل الجميع. موقف لن أنساه.


س/ هذا الكلام قد يدفع لسؤال: إن انتماءكِ للمنطقة الشرقية وبنغازي، وعدم انتقادكِ حفتر وجماعته، وعدم ذكر المرتزقة الروس والأفارقة، بينما انتقدتِ القوات التركية؟
ج/ لا، بالعكس. منذ أول يوم أقول: لا لوجود القوات الأجنبية أيًّا كانت جنسيّتها. لم أحدد تركيا أو روسيا أو غيرهما. أنا لا أرفض التعاون العسكري أو الأمني مع تركيا أو غيرها إذا كان رسميًّا عبر الوزارات المعنية. أما الوجود من دون مسوّغ سيادي وشرعي، فهو مرفوض.


س/ ما وضع الميليشيات؟
ج/ فرضتها الضرورة والفراغ في مؤسسة الجيش. هناك محاولات لإدماج جزء منها في المؤسسة. لا أوافق على كل الأساليب. كان لا بد من التعامل الصحي والنفسي معهم. الإدماج شكلي، فأصبح الولاء لأشخاص من خارج المؤسسة. يجب أن يكون ولاء الجيش للوطن.


س/ لمن الولاء الآن؟
ج/ لدينا جيش في الشرقية تابع للقوات المسلحة، وفي الغربية لدينا تشكيلات متعددة تحمي الحكومة بمؤسساتها.


س/ هل يحق للمنطقة الشرقية وحفتر الاستيلاء على الجيش؟
ج/ لا أقول استيلاء، بل نتيجة فراغ فُرض بناء جيش قد لا يكون صحيحًا، لكنه ملأ الفراغ.


س/ الأطراف التي تدخل لملء الفراغ؟ أنت تقولين 80% من الحل بيد الليبيين. كيف بيدهم؟ هل يمكن إدماج الشرق والغرب؟ قد يبدو ضربًا من الخيال. هل يتم ضم حفتر وأبنائه إلى حكومة الوحدة الوطنية؟
ج/ بالجلوس معًا ووضع إستراتيجية لإدماج الأطراف الموجودة في المشهد، حتى الوصول للانتخابات. لا نستطيع إقصاء أحد. حكومة الوحدة بالأساس حكومة محاصصة بين الشرق والغرب والجنوب. لكن بعض التصرفات من الطرفين أثرت في عامل الثقة.


س/ اعتراض من الداخل أم من الدول الإقليمية؟
ج/ بالتأكيد عندما يفتح الداخل الباب للخارج، يتدخل.


س/ ألم تُستخدمي أداةً لتنفيذ سياسات خارجية؟
ج/ عانيت من هذا الأمر منذ أول يوم.


س/ قلت إنك عانيت من فراغ. هذا الفراغ موجود الآن في الوزارة التي كنتِ على رأسها. كيف تعيش مع كل هذه الإرهاصات؟ دولة بلا وزير خارجية ولا رأس دبلوماسية؟
ج/ هذا السبب الذي دفعني لإجراء المقابلة. هناك فراغ في الخارجية منذ غيابي. لا يوجد وزير قادر على إدارة الملف الدولي والمحلي بنفس القوة. لا أدعي أنني كنتُ الوحيدة القادرة، ولكن غيابي خلق فراغًا وقلقًا وتساؤلات. كنت في موقف محرج؛ السفراء يتواصلون معي، وأعطيهم رأيي في البداية، لكن الموضوع طال. احترمتُ قرار استبعادي، وحاولت ترك المجال لمن عُيّن.


س/ مَن الموجود الآن؟
ج/ وضعوا موظفًا مكلّفًا بتسيير الوزارة، هو السيد الطاهر الباعور، وليس وزيرًا. لدي تحفظ عليه حتى من قبل، لأنه غير قادر على إدارة ملف كبير كوزارة الخارجية. أما رئيس الوزراء فعين نفسه وزيرًا للخارجية ووزيرًا للدفاع. لكن لديه ملفات أخرى، فلا يستطيع التركيز. زملائي العرب والدوليون يتواصلون معي ويقولون إن ليبيا غاب صوتها دوليًا، خصوصًا في هذه المرحلة الحساسة. السفراء أصبحوا في فراغ سياسي. مستوى الأداء الدبلوماسي متدهور.


س/ كونك متخصصة في إدارة الصراع والسلام، ما الحل المناسب لليبيا؟
ج/ الحل: بناء الثقة بين الأطراف كافة، وهذا ليس سهلًا. احتواء الجميع، فالكل جزء من الحل. الليبيون شعب مثقف ومتعلّم، والمجتمع المدني قد يكون له دور أكبر في تجميع الأطراف. يقرر الليبيون بأنفسهم مستقبلهم. ماذا يريدون من الانتخابات؟ هل مجرد انتخابات؟ فقد لا تفرز نتائج مثالية.


س/ هل لديكِ أمل في عقد هذه الانتخابات؟
ج/ لدي أمل دائمًا في ليبيا، رغم الضبابية الحالية، لأن ليبيا تملك كل المقومات لتكون دولة متقدمة.


س/ ليبيا بلد كبير، وفي الجنوب المهمّش قلة من المسؤولين يزورونه. هل زرتِ الجنوب؟
ج/ نعم، وكانت رحلة جميلة. زرت غات وأوباري وسبها والحدود مع النيجر. جلست مع شيوخ القبائل والتبو وغيرهم ممن لهم دور في تهدئة الأوضاع الحدودية. استمعت لقصص ملهمة. رأيت نساء الجنوب الجميلات الخجولات. قال بعضهن إنني أول مسؤول رفيع يزورهن.


س/ ما أبرز مشاكلهم؟
ج/ لديهم حق في قولهم إن الجنوب مهمّش. جغرافيته صعبة، صحراوية، تفتقر للبنية التحتية، المياه، الكهرباء، الطرق. تتحسن الآن عن السابق، لكن لا تزال ناقصة.


س/ مشاكل أمنية كالحدود وتسرب السلاح والمقاتلين؟
ج/ نعم، مشكلة كبيرة. لا نستطيع حلها وحدنا، بل نحتاج دعمًا دوليًا وإقليميًا. مثلًا الهجرة غير الشرعية. رأيت المعاناة في بوابة ليبيا مع النيجر، قلة الموارد، لا تكنولوجيا حديثة. الحدود شاسعة. نحتاج تدخلًا تكنولوجيًا وأجهزة وأفرادًا مدرَّبين. انتقدتُ سياسة الاتحاد الأوروبي؛ لا يعطون إلا قوارب ويطلبون التصدي للهجرة في البحر. المهاجرون يأتون أصلًا من الجنوب.


س/ في أيام العقيد القذافي كانت ليبيا تقايض بورقة المهاجرين مع الغرب، لم يعد ذلك قائمًا؟
ج/ نعم، كان يُعالج بصورة أكثر حكمة.


س/ وكأنكِ نادمة على عهد القذافي؟
ج/ ليس ندمًا، لكن كان هناك قرارات سياسية فيها بُعد نظر، ونحتاج صوتًا قويًا يمثل ليبيا ولا يتنازل عن حقوقها.


س/ قبل البرنامج أخبرتني أنكِ تحنين للعهد الملكي رغم أنكِ لم تعيشيه؟
ج/ تربيتُ عليه من خلال قصص جدي وأبي عن الملك إدريس السنوسي، وكيف كان متواضعًا وحكيمًا. وضع أسس جامعة بنغازي ومستشفيات، وكان كل همه بناء ليبيا.


س/ واضح أنك أمضيتِ عامين ونصف على رأس الوزارة لكنها تبدو كعشر سنوات من كثرة الملفات. ومن أبرز ما يُذكر لكِ إعادة 40 سفارة أجنبية، ورئاسة ليبيا لجامعة الدول العربية بعد غياب 10 سنوات، وزيارتكِ لإيران لأول مرة بعد 16 سنة، وحصولكِ على جوائز دولية. حدّثينا عنها؟
ج/ أول جائزة كانت “International Woman of Courage” من الحكومة الأمريكية. أعتز بها جدًا لأنها جاءت في توقيت شككت فيه بقدرتي. كنتُ موقوفة من المجلس الرئاسي قبيلها. أحسست بالاستهانة بعملي. لكني تجاوزت ذلك، ولم يكن القرار شخصيًا بل سياسيًا. تم لملمة الموضوع.


س/ لو طُلب منكِ التحقيق الآن هاتفيًا، ما موقفك؟
ج/ قررتُ الذهاب لطرابلس لحضور التحقيق، ومُنعت.


س/ هل من الممكن أن تذهبي لطرابلس وتعودي؟
ج/ نعم. لما طال التحقيق، قلت سأذهب بنفسي، فأنا لست خائفة. لكن تم منعي من الحكومة.


س/ إذن علاقاتكِ مع التشكيلات المسلحة جيدة؟
ج/ علاقتي مع الجميع جيدة؛ لأنهم لمسوا جديتي وهدفي الأول استقرار ليبيا.


س/ مَن خذلكِ؟
ج/ الحكومة ورئيس الوزراء خذلوني كقائد يفترض به متابعة فريقه. كنت ذراعه الأيمن. عملت معه يدًا بيد، وتحملت الشدائد. تُركت بهذه الطريقة. شعرت بالخذلان.


س/ ذكرتِ كلمة “أم”، وأعجبتني هذه الكلمة؛ فأنتِ أمٌ لبنتين: رغد وغيداء. هل تنقلين هذه القيم لهما؟
ج/ طبعًا أنقل لهما هذه القيم دائمًا، إلى درجة قولهما إنني أكررها مرارًا وقد فهمناها. وابنتي غيداء تقول لي: “أنتِ قد صعّبتِ الأمر علينا، فنحن لن نكون وزراء”. وأنا أقول لها إن النجاح ليس أن تكوني وزيرة؛ أمامك مجالات الدكتوراه والماجستير. النجاح هو قدرتك على ملء مكانكِ مهما كانت وظيفتكِ، وأن تؤمني بنفسكِ كامرأة. وهذا هو سبب وجودي اليوم: لدي مسؤولية تجاه بناتي وعائلتي ووالديَّ وإخوتي وأسرتي والشعب الليبي من إخوتي وأخواتي، والزملاء العرب والدول العربية الذين شاهدوني، وتجاه المجتمع الدولي الذي آمن بي كأول امرأة في تاريخ ليبيا. لا بد أن أكون على قدر هذه المسؤولية حتى آخر لحظة، مهما كانت النتيجة. هذه شهادة للتاريخ؛ لا أجعل السوشيال ميديا أو فيسبوك أو تويتر تحدد لي مَن أنا وما هي قيمي وواجبي. لا بد للناس أن تستمع للحقيقة، وترى أن هناك أشخاصًا شغلوا مناصب سيادية لم تكن سهلة وكانت محفوفة بالمخاطر والتحديات.

س/ هل رسالة أخيرة لمن يستمع أو يشاهد الآن؟

رسالتي العامة موجَّهة لكل النساء العربيات: لبناتي، لأخواتي، ولكل مَن لديها الطموح للقيادة والعمل السياسي أو أي عمل آخر، مثل المذيعات المشهورات مثلك؛ فأنتِ قامة نفتخر بها كعرب وكامرأة عربية. قررت أن أكون معكِ لأنكِ بالنسبة لنا وجهٌ مشرِّف. هذا العمل لكي تنجحي فيه ليس سهلًا؛ ندفع فيه الكثير من التضحيات على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي، ويتم الهجوم علينا والحكم والكذب. لكنني دائمًا أقول إن المركب يسير، ولا بد أن يكون لدى الإنسان هدف واضح، ولا يوجد شيء مستحيل على المرأة لتقوم به. حتى المرأة التي تختار البقاء في المنزل تستطيع أن تقوم بعمل رائع وجميل في تربية أولادها. وهذا قرار شخصي: أن تعمل أو لا تعمل. ولكنها تستطيع أن تكون ناجحة في كل مكان وزمان. إن هذه القيود والأفكار هي من صنعنا نحن، وضعناها وأصبحت تتكاثف بالهجوم والحروب والإقصاء والتعامل بشكل غير صحيح.

لو حدث هذا الموقف نفسه لرجل وليس لامرأة، لربما كانت ردود الفعل مختلفة. قدرة المرأة على الصبر والتحمل ومراجعة الذات والتماس الأعذار ووضع نفسها مكان الآخرين لا يمكن مقارنتها بالرجل – مع كامل احترامي لهم – لأن الرجال عادةً ما تأخذهم الحمية والعنفوان والتحدي ليطالبوا بتسليط الأضواء عليهم لمعالجة مواضيعهم. أما أنا فقد انتظرت طيلة هذا الوقت رغم معاناتي وما سببه لي من آثار على حالتي النفسية وحياتي الاجتماعية وأولادي وأسرتي، بل وحتى صحتي. لقد شعرت بالقهر والظلم وعدم الإنصاف لفترة طويلة. كان ذلك شعورًا ليس سهلًا، وكانت تجربة مليئة بالتحدي، تعلمتُ منها الصبر والمرونة والحكمة والمراقبة عن بُعد والتماس الأعذار رغم عدم وجودها أحيانًا.

تعلّمت درسًا مهمًا مفاده أنه حينما تأتيك الضربة من القريب، تكون قوية جدًا وأشدّ من البعيد؛ فتخلق لديك تساؤلات: هل فعلاً أن العمل الذي قمت به والفريق الذي آمنت به وما قدّمته كان مجرد كذبة أو شيء مختلق من الخيال؟ أم تم الاستهانة به وعدم احترامه وتقديره أو لأي سبب آخر؟ تبرز أيضًا تساؤلات حول المعتقدات والثقة بالناس وفي هذا الوسط. لكنني أقول للجميع إن الأمل موجود دائمًا، وهذه التجربة جعلتني أقوى حالًا وأعطتني القوة والحكمة وتعلّمت منها الكثير. أتمنى أن يكون حديث اليوم، المليء بالشجون والذكريات والتحديات، ملهمًا لكل امرأة وإنسانة تطمح لخلق تغيير في المجتمع.

متابعات المرصد – خاص

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق