نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"النشرة": مؤشرات سورية مقلقة فهل تتجه البلاد إلى الفوضى؟, اليوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 03:27 مساءً
لا يُمكن الحُكم على مسار سوريا بعد. يحتاج استشراف المرحلة المقبلة إلى رصد السلوك السياسي للمعارضة التي استلمت زمام السلطة: هل يوجد توافق وطني بين القوى والفصائل، على الحُكم بعد المرحلة الانتقالية؟ ماذا عن تعدد الولاءات والانقسامات الجوهرية للمعارضين الذين اجتمعوا على هدف اسقاط النظام فقط لا غير؟ وما هي الرؤية السورية للتموضع الاقليمي - الدولي، وخصوصاً ان الدول العربية تخشى من حالة التشدد الإسلامي الموجودة في نهج "هيئة تحرير الشام" - وليدة "جبهة النصرة"، المنبثقة عن تنظيم "القاعدة"، إضافة إلى وجود فصائل إسلامية يبلغ عددها 37 فصيلاً، ظهر تمدّدها في المناطق السورية خلال اليومين الماضيين.
يمكن الاستناد إلى مشاهد أساسية سجلتهم الساعات الاولى لسقوط النظام السوري:
دخول قائد المعارضين المسلحين احمد الشرع (ابو محمد الجولاني)، إلى دمشق، خطيباً في المسجد الأموي، مقلّداً ما فعله زعيم تنظيم "داعش" ابو بكر البغدادي الذي كان دخل الموصل عام 2014 خطيباً في المسجد الكبير، لتتبع خطوة الجولاني إطلالة احد "القياديين الجهاديين" من ساحات المسجد الأموي في دمشق، تتوعده بعدم السكوت "على الظلم"، ومطالبته الجولاني "بإخراج السجناء والمعتقلين الذين احتجزهم في سجونه".
كما ان تعيين المعارضة المسلّحة رئيس "حكومة ادلب" احمد البشير، الذي ينتمي إلى "هيئة تحرير الشام" رئيساً للحكومة الانتقالية، تعني ان "الجولاني" يتمسّك بأن تكون القيادة الجديدة بين يديه، والا يشارك احداً بالزعامة، وهو ما كان يمارسه في ادلب، حيث تمّت تصفية معارضيه، او سجنهم. فماذا ستفعل الفصائل، وخصوصاً في العاصمة وريفها الذين شعروا بإبعادهم عن المشهد؟ والأهم: هل سيكون للمعارضين السوريين المدنيين التاريخيين أي دور في سوريا الجديدة؟
يمكن استحضار محطات آخر ساعات من عُمر النظام السوري الراحل، عندما استمهل الرئيس المخلوع بشار الاسد الجواب على اتفاق "دول استانة" بشأن المرحلة الانتقالية، ليفضّل ترك البلاد من دون ابلاغ احد بعدما رفض كل المخارج، وترجم معادلة: أنا أو الفوضى.
فهل دخلت سوريا تلك الفوضى؟
لا يبدو ان الدور حالياً سيكون الاّ لصاحب النفوذ الميداني، ومن هنا تنتظر سوريا تحديات بالجملة:
اولاً، واصلت اسرائيل تنفيذ مطامعها في الجنوب السوري بإحتلال مساحات واسعة منه في القنيطرة وجبل الشيخ، في وقت نفذ سلاح الجو الإسرائيلي أكبر عملياته في تاريخ إسرائيل خلال ساعات، وقضى على كل اسلحة سوريا ومخزونها العسكري ومراكز البحوث العلمية، في كل المحافظات من دون استثناء، مما يعني ان سوريا صارت اضعف دولة في الاقليم، حيث لا قدرات دفاعية ولا اسلحة ثقيلة، ولا بحوث علمية، ولا صناعات ثقيلة، ولا ادنى عناصر القوّة. فأعادها الإسرائيلي إلى دولة ضعيفة، بالكاد تعتمد على زراعاتها، أي إلى مرحلة ما قبل رئاسة حافظ الاسد.
ثانياً، أفرزت الاحداث تقسيماً سوريا واقعياً: إسرائيل ضمّت القنيطرة اليها، والسويداء تثبّتت مساحة درزية محصّنة وممنوع دخول التشدد الإسلامي اليها، اما الساحل الذي يضمّ اكبر تجمعات العلويين، فيتعامل ابناؤه بإيجابية حذرة وقلق ضمني مع الواقع السوري الجديد، وهم يعتبرون ان القواعد الروسية الموجودة لديهم تشكّل ضمانة لحمايتهم، ويستندون ايضاً إلى العلويين الأتراك الذين يحسب لهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حساباً، فيمنع بدوره المتشددين الإسلاميين من التعرّض للعلويين السوريين. كما ان الكُرد يسيطرون على حوالي ٤٠٪ من مساحة سوريا في الشرق والشمال، وقد وسعوا نفوذهم بعد تسليم النظام السوري السابق مساحات واسعة لهم في شرق البلاد.
ثالثاً، بدأ تنظيم "داعش" يوسّع انتشاره، وهو متواجد اساساً في أرياف حمص وديرالزور، إضافة إلى وجود منظّمات إسلامية اخرى، منها "جيش الإسلام"، لا تريد اختزالها في الواقع السوري الجديد، وتعتبر الفرصة متاحة حالياً لفرض نفوذها.
رابعاً، تتعدّد الارتباطات الخارجية لفصائل المعارضة السورية، وهي وليدة ما بعد عام 2011، بينما يحاول "الاخوان المسلمون" فرض دور ريادي لهم، بإعتبار ان حليفهم اردوغان سيساندهم في تولي القيادة السورية الجديدة، اضافة إلى تحضير الأتراك اساساً لـ"جيش سوريا الوطني".
خامساً، يحاول المنشقّون عن النظام السابق ان يجدوا لهم دوراً في تركيبة سوريا الجديدة، خصوصاً انهم كانوا من اوائل الذين ثاروا رفضاً للنظام وتأييداً للمعارضة.
سادساً، يعتقد النخبويون والمثقفون واليساريون وسجناء الرأي في عهد النظام، انهم وحدهم القادرون على قيادة سوريا الجديدة، وهو طموح يصطدم برجال الميدان حُكماً.
كل ذلك، يؤكد ان تحديات سوريا كبيرة جداً، فإذا استطاعت تجاوز كل تلك التناقضات بسرعة، وهي مسألة شبه مستحيلة، فإن اكبر التحديات امامها هو كيفية تسيير شؤون سوريا الاقتصادية والمالية والإعمار، واعادة تأسيس الجيش والقوى الامنية، وتلك مسألة تحتاج إلى حوالي ١٠٠ مليار دولار لاعادة وضع البلاد على السكّة الطبيعية، وإقامة علاقات قوية مع دول عربية تخشى من التطرف الإسلامي وتمدّده اليها.
0 تعليق