الظهور الإلهيُّ

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الظهور الإلهيُّ, اليوم السبت 4 يناير 2025 03:20 صباحاً

البشريَّة كلُّها بحثت عن الخلاص من الموت وسعت إلى الخلود، وسألت: «هل من قوى عظمى وراء الكون وكلِّ ما يتحرَّك فيه من حياة، وما هو موجود فيه من جماد؟». أناس كُثُر بحثوا عن القوى العظمى المحرِّكة والخالقة، وكثرت الأعياد الوثنيَّة الَّتي كانت جزءًا من هذا البحث الوجوديِّ. مثال على ذلك عيد الإله Eon في 6 كانون الثاني في مصر. كذلك عيد الشمس الَّتي لا تُقهر، وشمس العدل في 25 كانون الأوَّل. وقدَّموا للآلهة المتعدِّدة ذبائح جمَّة من بشريَّة وحيوانيَّة. كما برزت عند الشعوب، في مصر، وعند الكنعانيِّين، ما سُمِّي بعبادة الإله الواحد. ومن يتفحَّص مكتبة أوغاريت الكنعانيَّة في سورية في تلَّة رأس شمرا ويقرأ هناك ما كُتب عن الإله إيل لا يستبعد أبدًا بصمات الوحي الإلهيِّ، فالنفس البشريَّة تبحث عن خالقها ولا ترتاح إلَّا فيه.

كلُّ بحث المسكونة تحقَّق بالربِّ يسوع المسيح مشتهى الأمم، فرأينا الجميع أتى يمجِّد مولده. هذا ما أعلنه المسيحيُّون الأوائل وعاشوه، وهذا هو إيماننا. فلا عجب أن يكون عيد الظهور الإلهيِّ وعيد الميلاد المجيد، في بادىء الأمر، متماهيَين في تاريخ واحد، وهو السادس من شهر كانون الثاني، لأنَّ ظهور المخلِّص هو الهدف، فيسوع بدأ يبشِّر بملكوت الله بعد معموديَّته فورًا.

ولأسباب تتعلَّق بتأكيد صيرورة الله إنسانًا وظهوره في الجسد، ودحضًا لهرطقة التشبيه أو الحلوليَّة، رتَّبت الكنيسة أن يكون لمولد المسيح عيد مستقلٌّ، مع التأكيد على أنَّ كلَّ الأعياد هي واحد لأنَّ الحدث الخلاصيَّ هو واحد.

فإنْ بحثَ الفراعنة عن الخلود أجابَهم الربُّ بأنَّه الكائن قبل الزمن وهو الخالد والمعطي الحياة الأبديَّة. وإن رأوا في إله الشمس الانتصار كان الربُّ هو الغالب أبدًا ودائمًا، وهو القائم من بين الأموات والمنتصر على الشرِّير. وإن سعوا إلى إيجاد شمس العدل أجابهم ملاخي النبيُّ من القرن الخامس قبل الميلاد بأنَّ الربَّ يسوع المسيح المخلِّص هو مَن تبحثون عنه، فكانت نبوءته التالية: «ولكم أيُّها المُتَّقون اسمي تُشرق شمس البِرِّ، والشفاءُ في أجنحتها، فتخرجون وتنشأون كعُجول الصيرة» (ملا 4: 2). فيسوع يعطينا الشفاء ولا نكون بعد تائهين ومشتَّتين بل يرعانا في مرعاه أبدًا.

لهذا نفرح ونهلِّل في يوم تذكار معموديَّة يسوع وندعو العيد عيد الأنوار لأنَّ فيه أشرق نوره على العالم أجمع. نور الربِّ الآتي إلينا ليمحو كلَّ ظلمة. فهو نور من نور، ونوره لا يعلوه مساء. ففي اللحظة الَّتي صعد فيها يسوع من المياه بعد أن اعتمد من القدِّيس يوحنَّا المعمدان ظهر الروح القدس بهيئة حمامة، وسمع صوت الآب من السماء يقول: «هذا هو ابني الحبيب الَّذي به سررتُ» (متَّى 3: 17). ولا يظنَّنَّ أحد أنَّ الربَّ يسوع المسيح قبل معموديَّته لم يكن عنده الروح القدس وأنَّه حلَّ عليه في معموديَّته، لأنَّه في المعموديَّة كان الظهور الأوَّل للثالوث القدُّوس في العهد الجديد، وثلاثتهم إله واحد، وهم واحد في الطبيعة الإلهيَّة ولا يوجد أيُّ فرق زمنيٍّ في الوجود بين الثلاثة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك أمر مهمٌّ في العيد يجب التوقُّف عنده ومعرفته عن كثب لكي نعيش الخلاص الإلهيَّ الَّذي تمَّمه الربُّ لأجلنا. الأمر هو نزول الربِّ في المياه وصعوده على الفور لأنَّه لم يكن عنده خطايا ولا حاجة له لأن يغتسل، ولكنَّ مجيئه ليعتمد من يوحنَّا هو لإتمام كلِّ برٍّ، أي لكي تتحقَّق كلُّ النبوءات لأنَّها قيلت عنه. فحركة النزول والصعود في المعموديَّة، الغِطاس، هي نفسها نزول الربِّ إلى الجحيم بعد صلبه، وصعوده منه حيث غلب الشرِّير في عقر داره، وأقامنا معه وحرَّرنا من سلطته علينا. والفنُّ الإيقونغرافيُّ يُظهر هذه العلاقة الوطيدة بين معموديَّة يسوع وصلبه وقيامته من بين الأموات. فوقفة يسوع المستقيمة في المياه تشبه وقفته المستقيمة والمنتصرة على الصليب. والشيطان المهزوم في المياه تحت أقدام الربِّ يشبه الشيطان المقيَّد تحت أقدام يسوع في أيقونة نزول الربِّ إلى الجحيم.

أمَّا ما قاله الآب: «هذا هو ابني الحبيب الَّذي به سررت» فهو تأكيد لنبوءة إشعياء: «هوذا عبدي الَّذي أعضدُه، مختاري الَّذي سُرَّت به نفسي. وَضعتُ روحي عليه فيُخرج الحقَّ للأمم» (إش 42: 1). وقالها الآب أيضًا في التجلِّي عن يسوع مع إضافة: «له اسمعوا» (متَّى 17: 5).

نعم، يسوع هو المعلِّم والطريق والحقُّ والحياة. هو الَّذي أتى إليه المجوس وسجدوا له، وهو إلهنا قبل الدهور. لهذا نجد مكان الحمامة في أيقونة الظهور الإلهيِّ يشبه مكان النجم في أيقونة الميلاد.

كذلك عيد الظهور الإلهيِّ كان له حضور تصويريٌّ من القرون الأولى للمسيحيَّة، فهناك جداريَّات بدائيَّة جدًّا في دياميس روما، تُظهر القدِّيس يوحنَّا المعمدان يعمِّد الربَّ، وفوقه الروح القدس بشكل حمامة.

كذلك هناك فسيفساء من نهاية القرن الخامس الميلاديِّ تُظهر يسوع عاريًا بالكلِّيَّة في المياه، وهذه صورة عن آدم الجديد المغتسل بالكلِّيَّة والخارج من المياه نقيًّا بالكامل من رأسه إلى أخمص قدميه، خالعًا عنه لباس الخطيئة، لابسًا لباس النعمة النورانيَّ.

ختامًا، أيقونة الظهور الإلهيِّ محورها يسوع في الوسط كما في أيقونة الميلاد، ونشاهد فيها الملائكة ينحنون وأحيانًا يحملون قماشًا ليجفِّفوا جسد الربِّ الطاهر. كذلك القدِّيس يوحنَّا نراه منحنيًا وينظر إلى السماء كأنَّه بذلك يشهد أنَّها انفتحت.

وحركة المياه هي عكسيَّة إلى الخلف تيمُّنًا بما نقوله في صلاة السحر: «يا نهر الأردنِّ، ما بالُك اندهشتَ عند معاينتك غيرَ المنظور عريانًا؟»، فيجيب قائلًا: «إنِّي أبصرته فارتعدت».

إلى الربِّ نطلب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق