نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانتقام يخرب العقل والقلب معًا, اليوم السبت 21 ديسمبر 2024 02:46 مساءً
عاش رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم، والمسلمون، ثلاث عشرة سنة في مكة، منذ بدء الدعوة إلى قرار الهجرة. عاشوا تلك السنوات تحت التعذيب والتنكيل والاضطهاد، منها ثلاث سنوات عاشوها تحت حصار مميت في شعب أبي طالب، وكان طغاة قريش يبالغون في تعذيب ضعفاء المسلمين، مبالغة تصل إلى القتل، كما فعلوا بالسيدة سمية أم الصحابي الجليل عمار بن ياسر، فقد جاء في كتب التاريخ: أن أبا جهل قد طعنها بحربة في فرجها، ففاضت روحها الطاهرة.
ثم أكرم الله رسوله والمسلمين بالهجرة إلى المدنية المنورة، فبدأ الرسول في تأسيس دولة الإسلام، ولكن سارعت قريش إلى الاشتباك المسلح الأكبر في غزوة بدر، وكتب الله النصر لرسوله ولأصحاب رسوله، فكيف تصرف رسولنا الأعظم؟
بشيء من التأمل سنجد كل عوامل الانتقام ورغبات الثأر حاضرًا حضورًا ساطعًا.
ها هم المسلمون الذي نكلت قريش بهم لسنوات وقتلت منهم من قتلت، أصبحوا الآن يتحكمون في رقاب الملأ من قريش؟
الثأر موجود لا ينكره أحد، والرغبة في الانتقام حاضرة لا تغيب، والتبرير قائم في أصل القلوب والنفوس، إن عمرو بن أبي سفيان بين الأسرى ومعه عقيل بن ابي طالب، وعقيل هذا صادر كل أملاك الرسول وصادر كل أملاك الذين أسلموا من بني هاشم، فلو أنتقم المسلمون من هذين تحديدًا ما لامهم أحد.
إن جملة الأسرى قد بلغ عددهم سبعين أسيرًا، بعضهم من قادة قريش ومن ساداتها الذين عذبوا المسلمين على مدار ثلاث عشرة سنة، فمن الذي سيحميهم من بطش المسلمين الآن؟
الذي حماهم هو العقل الراجل والقلب الطيب لسيد مخلوقات الله، صلى الله عليه وسلم. إن قضية الأسرى كانت من قضايا المسلمين التي ليس لها سابقة، ولم يكن الوحي قد حدد طريقة للتعامل مع قادة قريش الذين وقعوا في الأسر ولذا جمع الرسول مشايخ أصحابه ليستشيرهم في الأمر، فكان رأي أبي بكر رضي الله عنه أخذ الفدية من الكفّار ليتقوّى المسلمون بها، ولعلّ في ترك قتلهم فرصةً للمراجعة والتفكير بالإسلام، بينما أشار عمر بن الخطّاب وسعد بن معاذ رضي الله عنهما بقتلهم، لأنهم أئمة الكفر، وفي التخلّص منهم ضربةٌ قويّة لأهل مكّة، بل قال عبدالله بن رواحة رضي الله عنه: "يا رسول الله، انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم نارا".
أخذ الرسول برأي الصديق عليه الرضوان، وذلك لأن الأمر كان أمر اجتهاد بشري، أما عن العتاب القرآني الذي جاء في الآية الكريمة:" مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
فقد قال عنه الإمام القرطبي في تفسيره: هذه الآية نزلت يوم بدر، عتاباً من الله عزّ وجلّ لأصحاب نبيّه صلى الله عليه وسلم. والمعنى: ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم أسرى قبل الإثخان".
بكل تأكيد فإن خالقنا عز وجل لم يكن يريد التنكيل بالأسرى ولا إشاعة روح الانتقام بين جمهور صحابة رسوله، كان أرحم الراحمين يريد من أصحاب رسوله وهم أكرم الصحب ألا يعرضوا رسوله لاختبار شديد، كالذي عرضوه له بعدم قتلهم لقادة الكفر والعصيان.
مضى الرسول في خطته التي تخاصم مشاعر الانتقام والثأر، وتوج توجهه الشريف يوم فتح مكة وقد دانت له رؤوس الملأ فعفا عنهم جميعًا إلا نفر يسير، سرعان ما شملهم عفوه الكريم.
هل ربح المسلمون بعفوهم عن الذين تجرعوا على أيديهم شتى أنواع العذاب؟
نعم ربحوا وفازوا، وبين أيدينا دراسة معاصرة كتبها فريق من جامعة فيرجينيا كومنولث الأمريكية يقوده العالم ديفيد تشيستر، جاء في الدراسة "يشعر المرء بالراحة في لحظة الانتقام، ثم ينزلق في حلقة مفرغة من الانتقام تتخذ شكل الإدمان، ليصبح حاله بعد الانتقام أسوأ مما كان عليه قبله".
ولقد وجدت كلامًا ثمينًا كتبه الأستاذ الدكتور يوسف إبراهيم محمد، استشاري الطب النفسي في كلية طب أسيوط الدكتور، حدد فيه أضرار مشاعر الانتقام على الصحة العقلية والجسدية. فقال: "بسبب زيادة التفكير والشعور بالتوتر تزداد فرص الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأيضا زيادة الفرص التعرض لأزمات القلب المختلفة. تزداد فرص التعرض لجلطات الدم المختلفة، مشاعر الانتقام تؤدي إلى عدم القدرة على التركيز على المدى البعيد بسبب كثرة الأحداث التي تدور في المخ وتؤدي إلى الإصابة بالأرق، وعدم القدرة على النوم بشكل طبيعي، وكل هذا بسبب كثرة التفكير في الانتقام.
وتزيد من عوامل الإصابة بالاكتئاب، والسبب في هذا الأمر يرجع إلى التعرض للضغط النفسي، والتوتر، والمشاعر السلبية".
واضح أن مشاعر الانتقام والثأر تخرب العقل والقلب معًا، وقد كتبتُ ما كتبت وليس في عقلي وقلبي إلا حال سوريا الشقيقة والحبيبة، والتي لا نرى لها مخرجًا إلا في عفو عامل يمنع الانزلاق إلى دائرة الانتقام الجهنمية التي متى ما بدأت فإنها لا تتوقف وستطحن عظام الجميع.
أخبار متعلقة :