كل حصري

المهمة التالية.. ما هي كلفة إعادة إعمار غزة؟ وكم تستغرق؟

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المهمة التالية.. ما هي كلفة إعادة إعمار غزة؟ وكم تستغرق؟, اليوم الخميس 16 يناير 2025 11:24 صباحاً

يبرز ذلك جانباً من حقيقة الوضع على الأرض، وحجم التعقيدات المحيطة بعملية إعادة إعمار غزة، بعد التوصل أخيراً لاتفاق وقف إطلاق النار، فالتدمير الواسع لم يقتصر على البنية التحتية المادية كالمنازل والمستشفيات وشبكات المياه والكهرباء، بل امتد إلى النسيج الاجتماعي والمؤسسي.

هذا التدمير يضع تحديات غير مسبوقة أمام الجهات المانحة والمؤسسات الدولية، خاصة في ظل غياب رؤية متكاملة لإعادة الإعمار وانعدام الاستقرار السياسي.

من ناحية أخرى، فإن إعادة الإعمار تتطلب تمويلاً ضخماً وتنسيقاً دولياً دقيقاً، وهو ما قد يصطدم بعوائق سياسية وجغرافية.

بالعودة لحديث جارزومبيك، والذي أوردته وكالة "بلومبرغ نيوز" ضمن تقرير موسع سابق لها في أغسطس الماضي، فإنه يشير إلى أن "تكلفة إعادة الإعمار ستكون باهظة للغاية.. ويجب أن تكون مواقع البناء بهذا الحجم خالية من الناس، مما يؤدي إلى موجة أخرى من النزوح. وبغض النظر عما يفعله المرء، فإن غزة ستظل تكافح هذا الأمر لأجيال".

أنقاض غزة

وفق التقرير، فإن:

  • "الغارات الجوية الإسرائيلية خلفت أكثر من 42 مليون طن من الأنقاض في مختلف أنحاء القطاع، وفقاً للأمم المتحدة".
  • هذا يكفي من الأنقاض لملء خط من شاحنات القمامة يمتد من نيويورك إلى سنغافورة!
  • قد تستغرق عملية إزالة كل هذه الأنقاض سنوات، وقد يكلف ما يصل إلى 700 مليون دولار.
  • سوف تتعقد المهمة بسبب القنابل غير المنفجرة والمواد الملوثة الخطيرة والبقايا البشرية تحت الأنقاض.
  • غالبية الأنقاض عبارة عن مساكن مدمرة، وتوزيعها في مختلف أنحاء القطاع يحاكي تقريباً الكثافة السكانية في غزة قبل الحرب.

ويشير التقرير إلى أن أكثر من 70 بالمئة من مساكن غزة، التي استنزفت بالفعل في الصراعات السابقة، تضررت، إلى جانب المدارس والمستشفيات والشركات.

وتقول وكالات الإغاثة إن أغلب سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة نزحوا عن ديارهم، وتكدسوا في شريحة صغيرة من الأرض على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، معزولين إلى حد كبير عن المياه العذبة والغذاء، فضلاً عن الأدوية والصرف الصحي الأساسي.

من يدير قطاع غزة؟

في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يعكس فيها التعقيدات السياسية المرتبطة بعملية إعادة إعمار غزة، يقول رئيس مركز القدس للدراسات، أحمد رفيق عوض، إن مسألة إعادة الإعمار تعتمد بشكل كبير على تحديد الجهة التي ستدير قطاع غزة وتحكمه، وهو أمر ما زال محل خلاف بين الأطراف المعنية.

ويشير في هذا السياق إلى وجود رؤى وخطط متعددة ومختلفة في هذا الشأن، تتنوع بين الرؤية المصرية التي تدعو إلى فكرة "الإسناد المجتمعي"، والرؤية الأميركية" المرتبطة بالإدارة الحالية التي تقترح إدارة دولية تليها إدارة فلسطينية.. وكذلك الرؤية الإسرائيلية التي ترفض حماس وفتح، وتفضل إدارة محلية بعناصر فلسطينية "مقبولة"، وكذلك الرؤى المرتبطة بإدارة مشتركة عربية دولية فلسطينية.

ويوضح عوض أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه مؤخراً قد يسهم في تشكيل من يدير قطاع غزة، مشدداً على أن أي تدفق للمساعدات أو بدء عملية إعادة الإعمار يعتمد على الوصول إلى اتفاق بشأن إدارة القطاع. كما يشير إلى أنه يبدو أن ثمة شبه إجماع على تواري حماس عن المشهد، مع احتمال تقدم السلطة الفلسطينية لتكون الجهة الموثوقة للتعامل معها، ولكن هل ستقبل حماس؟

ويؤكد أن الوضع الحالي ما زال غير واضح ولم ينضج بعد، ويحتاج إلى مزيد من الجهود والنقاشات والاتفاقات لتحديد مستقبل إدارة غزة، وهو شرط أساسي لبدء عملية إعادة الإعمار بدعم إقليمي ودولي وإسرائيل.

إصلاح شامل

وبالعودة لتقرير "بلومبرغ" المشار إليه، فإنه يوضح أن إعادة بناء غزة، وحياة سكانها، سوف تتطلب إصلاحاً شاملاً للبنية الأساسية المادية للقطاع، فضلاً عن التوصل إلى شكل من أشكال الحل السياسي بشأن الشكل الذي قد تبدو عليه غزة الجديدة. ولكن قبل أن يتسنى تحقيق أي من هذه الأهداف، فإن جمع كل الأنقاض والتخلص منها ــ بعد انتهاء الحرب ــ سوف يشكل أهمية بالغة.

وغزة ليست غريبة على الصراعات، فقد خاضت حماس أربع حروب أخرى مع إسرائيل منذ عام 2007 عندما انتزعت السلطة في القطاع من فتح، منافستها التي تقود السلطة الفلسطينية ومقرها في الضفة الغربية، أكبر الأراضي الفلسطينية. وهذه الحرب هي الأطول والأكثر ضرراً على الإطلاق.

بعد جولات سابقة من القتال، كانت دول الخليج والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان من بين الجهات المانحة التي تعهدت بتقديم الأموال للمساعدة في تعافي غزة.

ويشير التقرير إلى أن قطر كانت واحدة من أكبر الجهات الداعمة ــ حيث استثمرت بشكل مباشر في الطرق والمستشفيات والمجمعات السكنية، فضلاً عن المشاريع الزراعية والبنية الأساسية، بالإضافة إلى المنح، والتي بلغت مئات الملايين من الدولارات على مدى عقد من الزمان.

خطة منظمة

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور نصر عبدالكريم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة ستتم بتدرج ووفق خطة منظمة تستند إلى أولويات واضحة، مشيراً إلى أن هناك خطة جاهزة بانتظار التطبيق.

 ووفق تقديرات عبدالكريم، فإن العملية في حدها الأدنى قد تستغرق ما بين 7 إلى 10 سنوات؛ نظرًا لحجم الدمار غير المسبوق الذي تعرض له القطاع بفعل العدوان الأخير، مضيفاً أن التمويل المطلوب لإعادة الإعمار ضخم للغاية، إذ تتراوح التقديرات بين 30 إلى 40 مليار دولار، وهو مبلغ يتجاوز قدرة السلطة الفلسطينية أو أية دولة منفردة على توفيره.

لذا، يشدد على أن هذه المسؤولية يجب أن تكون دولية، بالإضافة إلى أنها تقع على عاتق الكيان الإسرائيلي الذي تسبب بهذا الدمار الهائل، متجاهلًا المواثيق الدولية والإنسانية.

ولتحقيق إعادة إعمار ناجحة ومستدامة، يوضح عبد الكريم أن هناك ثلاث شروط أساسية يجب أن تتوفر، على النحو التالي:

  • رفع الحصار عن غزة: يجب أن يتضمن أي اتفاق نهائي لوقف العدوان رفع الحصار الكامل عن القطاع بما يضمن تدفقاً حراً وسهلاً للسلع والمعدات ومواد البناء، وحركة الأفراد. كما يجب أن يدمج غزة اقتصادياً واجتماعياً مع الضفة الغربية وبالتالي مع العالم الخارجي.
  • بناء مؤسسي وإداري فاعل: ينبغي إنشاء هيكل إداري ومؤسسي فعال لإدارة عملية إعادة الإعمار في إطار اتفاق سياسي وطني شامل، قائم على أسس ديمقراطية، ويضمن مشاركة جميع الأطراف الفلسطينية.
  • توفير التمويل اللازم: توفير التمويل الذي يتراوح بين 30 و40 مليار دولار، والذي يمثل تحدياً كبيراً يتطلب جهداً دولياً مشتركاً لتحقيقه.

ويشير الخبير الاقتصادي في هذا السياق إلى أهمية أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه قطاع غزة، والعمل على ضمان تحقيق إعادة إعمار ناجحة تعيد الحياة الكريمة لسكانه.

جانب آخر من التعقيدات

وفي إشارة لجانب من تعقيدات عملية إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار، كانت المسؤولة البارزة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المكلفة بدعم الشعب الفلسطيني، شيتوسي نوغوتشي، قد تحدثت في وقت سابق عن مدى تعقيد عملية إزالة الأنقاض التي تشهدها غزة. وقالت إن البرنامج يتمتع بخبرة واسعة في غزة، ولكن بالنظر إلى عدد الجثث المدفونة بين الأنقاض ــ نحو عشرة آلاف وفقا للأمم المتحدة ــ فضلا عن الذخائر غير المنفجرة "فإن هذه المرة مختلفة تماما"، وتتطلب طرقا جديدة للقيام بالأشياء.

وتقول الأمم المتحدة إن هناك حاجة إلى آلاف الأشخاص لجمع الأنقاض والتخلص منها، وإنه لا يوجد عدد كاف من العمالة للتعامل مع العمل في غزة وأوكرانيا في نفس الوقت. لذا فقد بدأت في تدريب الناس في الأردن.

كما تشكل الأنقاض بيئة مثالية لذباب الرمل، الذي يمكن أن ينشر داء الليشمانيات، وهو مرض جلدي طفيلي مميت إذا ترك دون علاج. كما تعشش العقارب الصفراء والأفاعي في الشقوق الصخرية. ثم هناك مادة الأسبستوس.

ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن ما يقدر بنحو 2.3 مليون طن من الحطام في غزة تحتوي على هذه المادة، والتي تُستخدم على نطاق واسع كعامل عازل. ويُحظر استخدامها في عشرات البلدان، ويمكن أن تطلق جزيئات محمولة جوًا يمكن أن تسبب أنواعًا متعددة من السرطان مثل الورم المتوسطي. وتشكل المواد الخطرة من المستشفيات المتضررة مصدر قلق آخر.

ملف معقد

من جانبه، يؤكد المحلل الفلسطيني، خبير الشؤون الإسرائيلية، نزار نزال، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن ملف إعادة إعمار قطاع غزة ليس بالبساطة التي يُتصور أنه يتم إنجازه في فترة زمنية قصيرة، مشيراً إلى التجارب السابقة بعد الحروب التي وقعت على القطاع في أعوام 2008، 2014، 2018، و2021.

ويستطرد: "في كل تلك الفترات، لم تتمكن الجهات الضامنة من جمع الأموال الضخمة المطلوبة لإعادة الإعمار، فما بالنا اليوم ونحن نتحدث عن هجوم دموي استمر 15 شهراً وأدى إلى تدمير حوالي 88 بالمئة من جغرافيا غزة".

ويوضح أن البنية التحتية في القطاع تعرضت لتدمير شامل، مما يجعل الحياة في غزة شبه مستحيلة حالياً، مشيراً إلى أن التقديرات الحالية تفيد بأن إعادة الإعمار تحتاج إلى ما بين 7 إلى 10 سنوات في حال توفير مبلغ يتراوح بين 90 مليار إلى 100 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم جداً يتطلب جهوداً دولية متضافرة.

يشار في هذا السياق، إلى تفاوت التقديرات المرتبطة بكلفة إعادة الإعمار. وكانت مؤسسة راند الأميركية قد ذكرت في دراسة سابقة أن الكلفة تصل إلى 80 مليار دولار، من بينها 700 مليون دولار لإزال الأنقاض وحدها.

يتزامن ذلك مع خسائر بشرية باهظة؛ فوفق أحدث بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، منتصف يناير الجاري، فإن عدد الضحايا ارتفع إلى 46 ألفا و707، والمصابين ارتفع إلى 110 آلاف و265 منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023.

تعكس هذه البيانات حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها غزة، حيث أصبحت الأوضاع المعيشية أكثر تأزماً مع استمرار الحرب حتى 15 شهراً قبل التوصل لاتفاق. ويواجه السكان نقصاً حاداً في الاحتياجات الأساسية، وسط تصاعد الدعوات الدولية لتوفير ممرات آمنة للمساعدات الإغاثية.

وفي خضم هذه الأوضاع المأساوية، فإن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يمنح بصيص أمل لآلاف المدنيين المحاصرين. ومع ذلك، تظل التحديات قائمة، إذ يحتاج القطاع إلى جهود دولية مكثفة لإعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية المنهارة. ويرى محللون أن نجاح هذا الاتفاق يتوقف على توفير ضمانات دولية للحيلولة دون انهياره، إلى جانب وضع خطة شاملة لدعم السكان وضمان استدامة الهدوء.

منغصات إعادة الإعمار

وبالعودة لحديث نزال، فإنه يضيف: "منغصات الإعمار كثيرة؛ وأولها عدم وجود جهة شرعية داخل قطاع غزة يمكن للمجتمع الدولي التعامل معها بشكل مباشر.. ومن هنا، أرى أن ملف الإعمار سيكون عقدة ولغماً كبيراً، وحله يتطلب توافقاً فلسطينياً أولاً على وجود جسم شرعي معروف، مثل السلطة الوطنية الفلسطينية".

ويشدد في السياق نفسه على أهمية عقد مؤتمر دولي بمشاركة دولية واسعة لدعم ملف الإعمار، مشيراً إلى أن دولاً محدودة لا تستطيع تحمل عبء إعادة الإعمار وحدها، "نحن بحاجة إلى دعم دول كبرى وثقيلة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب أوروبا والولايات المتحدة، ولكن حتى لو توفرت هذه الأطراف، فإن الملف يظل معقدًا للغاية".

كما يلفت إلى حجم الكارثة الإنسانية في القطاع، بما في ذلك التدمير الذي ضرب المدارس والمستشفيات والبنية التحتية مدمرة بالكامل. كل هذه التفاصيل تجعل ملف الإعمار أكثر تعقيدًا، وهو ما يستدعي ترتيبًا دقيقًا ووجود عوامل عديدة ومتنوعة لتسهيل هذه العملية.

ويختتم نزار حديثه بالتأكيد على أن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب بشكل مستدام هما أساس أي خطة لإعادة الإعمار، وأن الحلول يجب أن تكون شاملة ومستدامة لتحقيق تقدم ملموس.

أخبار متعلقة :