نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مسرحية "كيما اليوم" لليلى طوبال: صرخة في وجه الظلم والقبح ودعوة للتفكير في بعث الإنسانية المفقودة, اليوم الأحد 19 يناير 2025 08:49 مساءً
نشر في باب نات يوم 19 - 01 - 2025
كان جمهور الفن الرابع، مساء السبت 18 جانفي، على موعد مع العرض الأول لمسرحية "كيما اليوم"، وهي ثمرة إنتاج مشترك بين المسرح الوطني التونسي وشركة "الفن مقاومة". وقد حمل هذا العمل توقيع الفنانة ليلى طوبال في الكتابة والإخراج والسينوغرافيا، ولجت من خلاله إلى أعماق النفس البشرية، مستعرضة تناقضاتها وأوجاعها في عالم يعج بالأسئلة الوجودية والقضايا الإنسانية.
ويضم فريق التمثيل كلّا من مايا سعيدان وأصالة نجار ودينا وسلاتي وفاتن شرودي وخديجة محجوب وأسامة شيخاوي. كما يشارك في العمل عدد من المختصين في الجوانب التقنية هم فاتن جوادي المكلفة بالإنتاج وأمان نصيري مساعدة مخرجة وعمار لطيفي في تصميم الكوريغرافيا. أما تصميم الإضاءة فيشرف عليه صبري العتروس والهندسة الصوتية لمحمد هادي بلخير، مع مساهمة محمد بدر بن علي في تقنيات المابينغ، وتصميم الملابس لمروى منصوري والتصميم الغرافيكي لسيف الله قاسم والتنسيق الإعلامي لهند تقية..
تبدأ المسرحية بقصة "دنيا"، الطفلة التي كانت تحتفل بعيد ميلادها الخامس عندما سمعت نداء غريبا قادما من جوف الأرض، صوت شاعريّ مرهف وساحر يطلب منها العودة إلى أعماق الطبيعة تاركة عالم البشر وصراعاته. ومع استعدادها للرحيل، يلتف حولها أشخاص لإلقاء نظرة الوداع، لكن دنيا تختفي فجأة تاركة هؤلاء الأفراد عالقين في متاهة خانقة لا يعرفون لها مخرجا.
وتمثل شخصية دنيا في هذا العمل المسرحي رمزا للبراءة والطهارة الإنسانية التي فُقدت وسط صراعات العالم المادي، فهذه الطفلة كانت تجسد صوت الأرض، ذلك النداء الذي يذكّر الإنسان بجذوره ويحثه على العودة إلى ذاته الحقيقية. وقد وضع غياب دنيا كل الشخصيات في مواجهة مع أنفسهم، حيث يتجولون في المتاهة بحثا عنها، لكن رحلتهم تتحول إلى رحلة داخلية يكشفون فيها عن مخاوفهم وأنانيتهم ونفاقهم وزيفهم...
ويظهر من خلال السرد أن المتاهة تمثل رحلة كل فرد في الحياة، حيث يواجه الإنسان حالات من الضياع والبحث المستمر عن معنى لوجوده. وهذه المتاهة التي تتجلى على خشبة المسرح من خلال تصميمها السينوغرافي المعقد، تخلق حالة من الغموض والارتباك، فكانت مرآة لما يعانيه الإنسان في صراعه مع تحديات الحياة اليومية. وقد ساهم تداخل العناصر الفنية الموظفة بإحكام في العرض مثل الضوء والظلام في إبراز حالات التوتر والاضطراب والتمزق الداخلي للشخصيات بين الأمل واليأس وبين الحقيقة والجهل.
// المتاهة مرآة الحياة
وليست المتاهة مجرد فضاء مادي في مسرحية "كيما اليوم"، بل هي استعارة رمزية للحياة نفسها. فجدران المتاهة المتشابكة تمثل قيود الإنسان وتحدياته، بينما الضوء المتسلل من ثقوب الجدران يرمز إلى الأمل والمعرفة. أما بالنسبة إلى الشخصيات المحاصرة في المتاهة فهي تسير بخطوات متعثرة تتصارع فيما بينها وتتبادل الاتهامات وتبحث عن خلاص يبدو مستحيلا.
وتستمر أحداث المسرحية بنسق تصاعديّ في تقديم مسار حياتيّ مليء بالتحديات من خلال تجسيد المتاهة كرمز مركزي في الحياة، فالمتاهة في هذا العمل، هي صورة حية لرحلة الإنسان حيث يضيع ويعود ليكتشف ذاته من جديد. وفي هذا السياق، استخدمت ليلى طوبال بكثافة الألوان والضوء كأدوات تعبيرية رمزية، فترجمت الألوان الداكنة القمع واليأس بينما عبّرت الألوان الزاهية عن الأمل والحب والحياة. أما الضوء، فكان رمزا للمعرفة والحقيقة، بينما يرمز الظلام للجهل والخوف الذي يعيشه الإنسان في العالم المعاصر.
واعتمدت المخرجة في هذا العمل على نص شعري باللهجة التونسية، جاء زاخرا بجمالياته وثراء صوره. وقد نقل المشاعر العميقة للشخصيات ولامس قضايا إنسانية كونية. وإلى جانب النص، اهتمت طوبال بالسينوغرافيا كعنصر محوري في العرض، حيث تحوّلت خشبة المسرح إلى متاهة بصرية كانت مرآة للتيه والضياع النفسي للشخصيات. أما الموسيقى التي ألّفها مهدي الطرابلسي وأدت بعض مقاطعها عبير دربال بإحساس مرهف، فقد أضافت للعرض بُعدا مشحونا بالعاطفة، وكانت الموسيقى خلفية حية أيضا عبرت عن لحظات التوتر والفرح واليأس.
// رسائل إنسانية كونية
وانطلاقا من الخصائص الفنية المميزة لهذا العرض والتي أحكمت ليلى طوبال توظيفها لإثارة عديد القضايا، جاءت مسرحية "كيما اليوم" بمثابة صرخة إنسانية في وجه الظلم والقبح المنتشرين في العالم. وسلطت الضوء على القسوة التي يفرضها الإنسان على نفسه وعلى الآخرين، وعلى الكراهية التي تفترس القيم النبيلة. كما يثير العمل أسئلة وجودية حول طبيعة الخير والشر ودور الإنسان في إعادة بناء عالم أكثر عدلا وإنسانية.
// نهاية مفعمة بالأمل
وفي لحظة ذروة درامية، تعود دنيا إلى المتاهة لكن ليس كطفلة بل كامرأة ناضجة تحمل رموز الأمل والتجديد. وتبدأ في تدمير المتاهة وإسقاط الجدران وبعث الحياة في الفضاء المظلم بألوان زاهية وزهور وفراشات مجنحّة. وهذه العودة ليست مجرد استعادة للبراءة بل هي دعوة للإنسانية لإعادة الاتصال بجوهرها والبحث عن حلول تعيد التوازن إلى عالم مضطرب أرهقته الحروب والأوبئة وتهدّده التغيّرات المناخية، فلا يكون الحل إلا بالخلاص الجماعي وليس بالبحث عن الخلاص الفردي.
وتختتم مسرحية "كيما اليوم" برسالة مفعمة بالأمل مظاهر رغم القسوة والضياع، حيث تذكّر الإنسان بأن العودة إلى الإنسانية ممكنة وأن الطريق إلى الخير والسلام يبدأ من داخل كل فرد. ويقدم هذا العمل رؤية فلسفية عميقة للحياة، كما تدعو المتلقي إلى التأمل في دوره داخل هذا العالم من أجل إعادة إحياء هذا العالم بالحب والسلام والاحتفاء بالإنسانية في أبهى صورها..
تابعونا على ڤوڤل للأخبار
.
أخبار متعلقة :