نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"أولويات" ما بعد وقف إطلاق النار... تحديات السياسة على الطاولة!, اليوم السبت 30 نوفمبر 2024 03:21 صباحاً
لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل قيد الاختبار، على وقع خروقات إسرائيلية متواصلة، معطوفة على محاولات تضييق بالجملة، تجلّت خصوصًا بأوامر حظر التجول في بعض البلدات، وفرض الأمر الواقع في بلدات أخرى، وقد قرأ كثيرون خلفها "امتعاضًا" من مشهد عودة مئات آلاف النازحين إلى بلداتهم، منذ لحظة سريان الاتفاق، في مقابل "تريّث" مستوطني الشمال في العودة، التي كانت "عنوانًا" للحرب في المقام الأول.
لكن، بالتوازي مع كلّ ذلك، كانت الحركة السياسية تسجّل "انتعاشًا سريعًا"، إن صحّ التعبير، بعد جمودٍ بدأ نسبيًا منذ الثامن من تشرين الأول 2023، تاريخ فتح "حزب الله" لما أسماها بـ"جبهة الإسناد" دعمًا للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبلغ ذروته في الشهرين الأخيرين، خصوصًا بعد "مجزرة البيجر" التي شكّلت "نقطة تحوّل" في مسار الصراع، ليتقدّم الهاجس الأمني بعده على كلّ ما عداه، في ظلّ الحرب الإسرائيلية الوحشيّة ضد لبنان.
ولعلّ الجلسة التشريعية التي عقدها مجلس النواب يوم الخميس، وأفضت إلى التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، ومعه كلّ من يحمل رتبة "عميد" وما فوق، شكّلت "باكورة" هذه الحركة السياسية، التي يفترض أن تُستكمَل في الأيام القليلة المقبلة، تحضيرًا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعدها في التاسع من كانون الثاني المقبل، وسط توقعات بأن تكون "مثمرة"، وبالتالي مختلفة عن سابقاتها.
وبين جلستي التمديد لقائد الجيش وانتخاب رئيس الجمهورية، يتحدّث العارفون عن "تحدّيات بالجملة" وُضِعت على الطاولة، في ضوء المتغيّرات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية على لبنان، بتبعاتها التي لا تزال غير واضحة المعالم، فهل تغيّرت الخريطة السياسية عمليًا في ضوء الحرب وما قد يترتّب عليها، وما هي أولويات المرحلة المقبلة على هذا المستوى، وكيف يمكن أن يتعامل معها الأفرقاء، على اختلاف توجّهاتهم؟.
صحيح أنّ ثمّة استحقاقات داهِمة وُضِعت "على النار"، من بينها استحقاق الرئاسة المؤجَّل أساسًا منذ أكثر من سنتين، والذي يتقاطع الجميع على أنّ إنجازه بات أكثر من "مُلِحّ" في هذه المرحلة تحديدًا، لكنّ العارفين يعتبرون أنّ "أولوية الأولويات" تبقى تحصين الساحة الداخلية بالدرجة الأولى، في ظلّ مخاوف تبدو مشروعة، من وجود "رهانات" لدى هذا الطرف أو ذاك، على تغيير في موازين القوى، بنتيجة المجريات العسكرية، ولو باتجاهات معاكسة.
في هذا السياق، يقول العارفون إنّ حربًا بحجم تلك التي شُنّت على لبنان لا يمكن أن تبقى بلا تداعيات في السياسة، وبالتالي فإنّه من الطبيعي القول إنّ ما بعدها لن يكون كما قبلها، لكنّ السؤال الإشكاليّ يبقى حول طبيعة المتغيّرات التي قد تنشأ عنها، في ظلّ خشية لدى كثيرين من أن تفرز مشهدًا أكثر انقسامًا من السابق، لا يستعيد مشهدية الثامن والرابع عشر من آذار فحسب، بل ربما يعيد الحياة إلى سرديّة السابع من أيار في مكانٍ ما.
ولعلّ الخشية هنا تبدو "مزدوجة" بين معسكري "حزب الله" وخصومه في آنٍ واحدٍ، فالحزب الذي يعتبر أنّه "انتصر" في الحرب، على الرغم من الخسائر المؤلمة والقاسية التي مني بها وتكبّدها، يصرّ على أنّ التموضع السياسي بعد الحرب لن يتغيّر، وسبق لأمينه العام الجديد الشيخ نعيم قاسم أن طرح معالمه في آخر خطاباته، بل إنّ بعض المحسوبين عليه لا يتردّدون في اعتماد خطاب يوصَف بـ"الفوقي" إزاء أيّ محاولات لـ"تحجيمه أو تهميشه".
في المقابل، ليس خافيًا على أحد أنّ الكثير من خصوم "حزب الله" يعتبرون أنّ المعادلات تغيّرت بالمطلَق، وأنّ "القوة" التي كان الحزب يتمتع بها في المراحل السابقة تراجعت إلى أدنى مستوياتها، بل إنّ بينهم من يرى أنّ الحزب بات في أضعف حالاته، خصوصًا مع اغتيال أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله، وثمّة بين هؤلاء من يعتبر أنّ الوقت الحالي "مثالي" لخوض معركة "حياة أو موت" مع الحزب، مهما كانت التبعات والعواقب.
انطلاقًا ممّا سبق، يبدو واضحًا أنّ التحدّي الداخلي المرتبط بواقع "حزب الله" ومصيره سيشكّل نقطة محورية في المرحلة المقبلة، بانتظار تشييع السيد نصر الله الذي يكتسب أهمية استثنائية في المقاربات، لكن ثمّة من يرى أنّ هذا التحدّي مرتبط في الوقت نفسه بالاستحقاقات السياسية المقبلة، وعلى رأسها استحقاق الانتخابات الرئاسية، الذي لا جدال في كونه سيشكّل، عبر طريقة التعامل معه، عنوانًا مفصليًا في رسم التكتيكات والاستراتيجيات.
في هذا السياق، قد تكون مهلة الشهر الفاصلة عن موعد جلسة الانتخاب، والتي قال رئيس مجلس النواب إنّه تعمّدها من أجل تحفيز مختلف الأفرقاء على التوافق، مفصليّة في تحديد صورة العلاقات بين مختلف القوى السياسية، علمًا أنّ عدّة سيناريوهات تُطرَح في المقاربة، لا يزال من المبكر حسم اتجاهاتها، قد يكون من بينها التمسّك بمعادلات ما قبل الحرب التي لا تلتقي، ولكن من بينها أيضًا، التعامل مع الاستحقاق ككلّ من منطلقات مغايرة بالمطلق.
ولعلّ الاختبار الحقيقي على هذا الصعيد، يتمثّل في كيفية تعامل "حزب الله" تحديدًا مع الاستحقاق، وهو الذي يحمّله كثيرون مسؤولية الفراغ الرئاسي، بتمسّكه بترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، رغمًا عن الجميع، لدرجة اعتبار أنّ مقاطعة جلسات الانتخاب وتطيير نصابها "ممارسة ديمقراطية"، علمًا أنّ التقديرات تشير إلى تغيّر في نبرة الحزب، بدأها الشيخ قاسم حين قال إنّ الحزب سيقدّم مساهمته الفعّالة لانتخاب رئيس الجمهورية من خلال المجلس النيابي بالطريقة الدستورية، مع التأكيد على الالتزام بسقف الطائف.
وإذا كان صحيحًا أنّ هذا الكلام بقي في إطار "العموميات" التي يمكن فهمها من أكثر من زاوية، يقول العارفون إن الحزب قد يكون معنيًا الآن بتسهيل انتخاب الرئيس أكثر من أيّ وقت مضى، خصوصًا أنّه يدرك أهمية وجود رئيس لمواكبة مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، وبالتالي فهو سيكون حريصًا على التوافق مع الأطراف الأخرى على رئيس يناسب هذه المرحلة تحديدًا، وما تتطلّبه من حنكة، بعيدًا عن كلّ معادلات مرحلة ما قبل الحرب.
ولعلّ استحقاق الرئاسة هذا يشكّل بالنسبة إلى "حزب الله" كما إلى خصومه، ما يشبه "جسّ النبض" لتحديد "أولويات" المرحلة المقبلة، فإذا كان الأداء مرنًا وسلسًا، قد يعني تقاطعًا بين الجميع على تحصين الساحة، وإذا عاد الصدام ليطغى، فقد يكون ذلك مؤشرًا سلبيًا، علمًا أنّ الأداء في الجلسة التشريعية يميل نحو الخيار الأول، خصوصًا في ضوء الكلام الإيجابي الذي صدر عن نواب الحزب تحديدًا، حول قائد الجيش.
في المجمل، لن تكون مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار سهلة على المستوى السياسي، في ظلّ انقسام عمودي لا يمكن نكرانه، بين فريقين لا يتناقضان في القراءة والاستنتاج فحسب، ولكن أيضًا في التوظيف والاستغلال، وبالتالي في تحديد الأولويات. من هنا، فإنّ تحصين الساحة يفترض أن يأتي أولاً، وهو ما يمرّ عبر انتخاب رئيس يجمع ولا يفرّق، وتشكيل حكومة تضع نصب عينها معالجة الوضع الناشئ عن الحرب، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا!.
أخبار متعلقة :