قصة نجاح مبهرة من تجارة صغيرة إلى إمبراطورية ضخمة..
في مكتبه الفسيح، المحاط بجدران زجاجية تطل على المدينة، يجلس رجل الأعمال المصري علاء السبع. نظراته الحادة الممزوجة بالطيبة تحمل في طياتها حكاية نجاح أسطورة مجموعة السبع، من بداياتها المتواضعة وكيف شق علاء طريقه حتى أصبح واحدًا من أبرز رجال الأعمال في مصر.
في هذه المقابلة، نستكشف معًا قصة الرجل الذي حول أحلامه إلى واقع. تروي قصة "علاء السبع" حكاية نجاح عائلي تمتد لسبعين عامًا، بدأت بتجارة الأقمشة وتطورت لتشمل تجارة السيارات وتوكيلاتها، وصولًا إلى قطاعات متنوعة مثل التمويل، والسياحة، والتنمية العقارية. يسلط "السبع" الضوء على أهمية القيم العائلية، كالأمانة، والالتزام، والصدق، في بناء إمبراطورية تجارية ناجحة.
إلى نص الحوار..
في البداية، نريد أن نعرف: من هو علاء السبع؟
علاء السبع: أنا من عائلة السبع، وهي تمتلك مجموعة شركات عائلية ضخمة في مصر. الحقيقة أن عائلتي، ممثلة في والدي القائد وقبله كان جدي، خاضت رحلة مثيرة في بناء أساس تلك الشركات. بدأت الرحلة بتجارة الأقمشة في محافظة المنصورة، ثم تدرجت تدريجيًا إلى مجال تجارة السيارات، وانتهت ببناء إمبراطورية تجارية ضخمة.
أود أن أسألك عن بدايتك: كيف كانت؟ وما هي اللحظات التي دفعتك للاستمرار والتطور؟
علاء السبع: (ابتسامة) شكرًا لك. البداية كانت متواضعة جدًا. بدأت مع جدي ووالدي في تجارة الأقمشة، وكنت في الثالثة عشرة من عمري. بدأوا ممارسة مهنة التجارة "ماني فاتورة" في عام 1954. ثم انتقلنا إلى تجارة السيارات بدلًا من الأقمشة في عام 1975. كانت تلك الفترة مليئة بالتحديات، ولكنها كانت أيضًا مليئة بالفرص للتعلم والتطور.
وعندما وصلت إلى الثامنة عشرة، وتحديدًا في عام 1981، قررت السفر إلى ألمانيا لشراء السيارات بهدف التجارة محليًا. كان ذلك في حقبة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عهد الانفتاح. كان السفر تحديًا كبيرًا لي في ذلك الوقت، لكنه كان أيضًا نقطة تحول في حياتي.
وتابع علاء السبع: ناقشت أمر السفر مع والدي، لكنه كان مترددًا لأن عمري كان صغيرًا، وكنت حينها طالبًا في كلية التجارة بجامعة المنصورة. شاورت أبي في الأمر، ولكني فوجئت بأنه قال لي: "لكنّك تعلم أننا نعمل وليس لدينا وقت للرفاهية والترحال." أوضحت له أنني سوف أسافر للعمل، وأنني سأجلب سيارات من ألمانيا، وأكدت له حينها أن السفر بغرض العمل. تفهم والدي ووافق، لكنه قال لي: "عندما تأتي بتلك السيارات من الخارج وتنجح في بيعها، سيُخصم من أرباحك كافة مصاريف السفر."
سافرت إلى ألمانيا، وبقيت هناك حوالي 17 يومًا في عملية بحث مستمرة حتى وصلت إلى الهدف ونجحت. أتيت بالسيارات إلى مصر ونجحت في بيعها، وحققت حينها 2000 جنيه أرباحًا، وهو أول مكسب لي في حياتي.
وما الذي دفعك إلى تلك المغامرة بالسفر وأنت في عمر صغيرة؟
حبي للسيارات دفعني للعمل مع والدي، ورغبتي في التميز وإثبات أنني قادر.
ما الذي تعلمته من تلك التجربة؟
أهمية الاعتماد على النفس والعمل الجاد.
إذن، كيف ترى دور العائلة في نجاحك؟
العائلة كانت ولا تزال العمود الفقري لنجاحي. جدي ووالدي غرسا فينا قيم العمل الجاد والمثابرة، وأخي أيضًا كان شريكًا مثاليًا في هذه الرحلة. الدعم العائلي كان له الأثر الكبير في الاستمرارية وتحقيق ما حققناه.
ذكرت لنا أن والدك وجدك كانا قدوة لك ولإخوتك. كيف ذلك؟
كما ذكرت لكِ في البداية، والدي وجدي كانا تجار "ماني فاتورة" في الأقمشة، وتمتعا بسمعة طيبة حرصا على بنائها من خلال الالتزام بالأمانة والصدق إلى أبعد الحدود مع العملاء والموردين والشركاء.
كانت عائلتي تؤكد دائمًا لنا أن تلك الصفات الإنسانية والمبادئ الشريفة هي أساس أي عمل تجاري مستدام. وظهر حرص والدي على نقل تلك القيم إلى الأجيال المتعاقبة لضمان استمرار نجاح شركات عائلة السبع على مدار 70 عامًا منذ نشأتها إلى يومنا هذا. حاليًا، أصبح لدينا 12 معرض سيارات بعد حصولنا على توكيلات عالمية في السيارات، و11 مركز خدمة. كما حرصنا على تنويع المجالات من شركات تمويل وسياحة، وأخيرًا في مجال التنمية العقارية.
ما هي أكبر التحديات التي واجهتك في مسيرتك المهنية؟ وكيف تغلبت عليها؟
علاء السبع: واجهت العديد من التحديات، مثل الأزمات الاقتصادية، وتغيرات السوق، والمنافسة الشديدة. ولكن أهم تحدٍ كان استمرارية الثقة مع العملاء من خلال الأمانة والصدق، وهما أساس أي عمل ناجح، وقد عملت جاهدًا على ذلك.
وتابع السبع: التحدي الآخر هو التوازن بين الربح والمسؤولية الاجتماعية، لأن النجاح التجاري لا يقتصر على تحقيق الأرباح، بل يشمل أيضًا المسؤولية الاجتماعية تجاه الموظفين والمجتمع.
وأحب أن أذكر موقفًا أثناء أزمة كورونا، كان علينا تسريح حوالي 50 عاملًا، حيث كانت تلك مرحلة صعبة، والأصعب هو فكرة التخلي عن العمالة في تلك الأزمة. لكننا فكرنا في خطة محكمة تمكنّا من خلالها من الخروج من عنق الزجاجة، وبدورها تمكنا من الحفاظ على جميع العمالة التي تقع في نطاق مسؤوليتنا. والحمد لله، نجحنا وأبقينا على الجميع. وأحب أن أؤكد أن الموارد البشرية هي أهم أصول الشركة، وأن الحفاظ عليها وتطويرها هو مفتاح النجاح على المدى الطويل.
نعود للعائلة، ماذا عن أولادك؟
أنا لديّ ولدان في عقد الثلاثينيات، وابنة في العشرينيات. تعلموا بالخارج في إنجلترا، أحدهما في هندسة السيارات، والآخر في إدارة الأعمال، وابنتي ما زالت طالبة في الجامعة.
الأبناء رفضوا العمل بالخارج وانخرطوا في العمل بشركات العائلة، إيمانًا منهم بأن فرصهم تكمن في شركات الأب والجد، وأيضًا لتحقيق الاستمرارية وتوارث الأجيال للمهنة.
وأحب أن أوضح أنني دائمًا أركز مع أولادي على القيم الإنسانية، والإصرار، والعزيمة. دائمًا أجلس معهم في دردشة عائلية مسائية، وأثرثر عن مواقف العائلة قديمًا وحكاياتها الإنسانية بهدف تعزيز الفخر وأخذ العبرة.
أحب أن أعرف دور الوالدة في حياة علاء السبع؟
السبع: في لحظة صمت عميق، يتذكر علاء السبع والدته ببالغ الحزن، ويقول: "رحلت أمي وأنا في أوائل الثلاثينات. أصف لكِ رحيل والدتي بأنه فقدان نجم ساطع في سماء حياتي. كانت أمي مصدر قوتي وحناني وشجاعتي. لقد رحلت عن عالمنا، ولكن ذكراها ستظل خالدة في قلبي إلى الأبد."
أمي كانت أكثر من مجرد أم، كانت صديقة ومعلمة وموجهة. لقد تعلمت منها الكثير عن الحياة، عن القيم والعطاء، وعن أهمية الأسرة. كانت دائمًا تدعمني وتشجعني على تحقيق أهدافي، وكانت تؤمن بي أكثر مما أؤمن بنفسي.
بعد وفاتها، شعرت بفراغ كبير، ولكني قررت أن أحقق أحلامها. كانت تغرس فيَّ الصبر والإصرار، وهذه الدروس كانت حافزًا لي لمواصلة التقدم.
دعنا نسألك، يا ترى، ما هي أهم الإنجازات التي حققتها حتى الآن؟
علاء السبع: أنا فخور جدًا بما حققته شركتي، ولكن أهم إنجاز بالنسبة لي هو بناء فريق عمل متماسك ومخلص. هؤلاء الأشخاص هم سر نجاحنا. بالإضافة إلى ذلك، أنا سعيد بمساهمتنا في تطوير مجال تجارة السيارات في مصر وتواجدنا كوكيل لكبرى العلامات التجارية مثل "نيسان".
وأيضًا كوني رئيس لجنة الجمارك بجمعية رجال الأعمال وعضو في شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية، من خلال هذه المنظمات، استطعت حل العديد من المشاكل التي تهم الأعضاء. ودائمًا حريص على اتخاذ طريق الحق دون النظر إلى أي أهداف شخصية. يهمني أولًا وأخيرًا مصلحة الجميع.
وماذا عن قدوتك في الحياة؟
الحاج محمود العربي: تعلمت منه الإنسانية والرحمة مع العاملين معه والمحتاجين، ونزاهته في عمله. منذ عشر سنوات، أنصت له في إحدى لقاءاته وذكر حينها أنه لديه 900 عامل يعملون في شركاته. وقتها تمنيت أن يكون لديَّ عدد 900 عامل مثله، وبالفعل حققت ذلك، وأفتخر بنفس الرقم. وتعجبني أقواله التي هي من عصارة خبرته، من ضمنها مثلًا: "العمل الجاد مع الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية يحقق النجاح والاستمرارية."
وقدوتي أيضًا الدكتور عبد المنعم سعودي، مالك مصنع سوزوكي مصر. تعلمت منه الشجاعة والجرأة، والمخاطرة ليست العشوائية بل المدروسة بحكمة.
وأعجبني أيضًا عائلة ساويرس، لاسيما في ما يتعلق بالانتماء للوطن وحبهم له. أنا أشهد لهم بمواقف جيدة تجاه مصر، وأرى أن نقدهم أحيانًا إيجابي وللمصلحة العامة، وليس كما يوصف البعض.
احكِ لي عن هواياتك؟
أحب السفر والترحال لاكتشاف الكثير من العادات والتقاليد للشعوب الأخرى، وأيضًا القراءة في مجالات الاقتصاد والتنمية البشرية.
ما أكثر الدول التي لفتت انتباهك؟
أعجبني الولايات المتحدة في التقدم، واليابان أدهشني نظامهم كما وصفه الكتاب. وأحب الإمارات والكويت، حيث يتميز شعبهما بالود والهدوء.
كونك رجل أعمال ذو خبرة وناجح، بماذا تنصح الشباب؟
نصيحتي للشباب هي أن يعملوا بجد واجتهاد، وأن يكونوا صبورين. يجب عليهم أيضًا أن يتعلموا باستمرار، وأن يكونوا على دراية بالتطورات التي تحدث في مجال عملهم. والأهم من ذلك، أن يكونوا صادقين وأمناء في تعاملاتهم.
بخصوص الاقتصاد وكونك رجل أعمال في قطاع السيارات، ما هي التحديات التي تواجه صناعة السيارات في مصر حاليًا؟
علاء السبع: أعتقد أن مصر لديها إمكانيات كبيرة يمكن أن تستفيد منها لتصبح من الدول المصنعة للسيارات. وأنا أؤكد على أهمية التحول من مجرد تجميع السيارات إلى تصنيع مكوناتها الأساسية أولًا، مثل المحركات وناقلات الحركة. مشيرًا إلى أن العديد من الدول العربية حققت نجاحًا كبيرًا في هذا المجال، مثل المغرب التي تخطت صادراتها من صناعة السيارات والمكونات 8 مليارات دولار، وأيضًا تونس.
وقال السبع: "نحن بحاجة إلى أن نحذو حذو تلك الدول المشار إليها، إلى جانب الاستثمار في البحث والتطوير، وتطوير الكوادر البشرية، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار. يجب أن نتعلم من تجارب الدول الأخرى، وأن نستفيد من الإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها مصر."
وقال السبع: "أحلم بأن أرى مصر تصبح مركزًا إقليميًا لصناعة السيارات الكهربائية والهجينة، وأن تساهم هذه الصناعة في تحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص عمل جديدة للشباب." وأرى ضرورة توفير الدعم الحكومي اللازم، وتشجيع الشراكات بين القطاع العام والخاص، والتعاون مع الشركات العالمية.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار الرياضية فى هذا المقال : "علاء السبع" يرسم ملامح مستقبل صناعة السيارات في مصر, اليوم السبت 21 ديسمبر 2024 04:23 مساءً
0 تعليق