نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لبنان بين أزمات الحاضر وتطلعات المستقبل: رؤيةٌ موضوعيةٌ للإصلاح والتغيير” (مِنْ أَجْلِ بِيئَةٍ سِيَاسِيَّةٍ صَالِحَةٍ لِلْعَيْشِ), اليوم الثلاثاء 14 يناير 2025 09:52 مساءً
د. غَازِي مُنِير قَانْصُو*
لُبْنَانُ، ذَلِكَ الوَطَنُ المُتَمَيِّزُ بِتَنَوُّعِهِ الثَّقَافِيِّ وَالاِجْتِمَاعِيِّ، يُعَانِي اليَوْمَ، كَمَا فِي مَرَاحِلَ كَثِيرَةٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ كِيَانِهِ السِّيَاسِيِّ الحَالِيِّ، مِنْ تَحَدِّيَاتٍ جَمَّةٍ تَجْعَلُ مُسْتَقْبَلَهُ مُهَدَّدًا فِي ظِلِّ الأَزْمَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالاِقْتِصَادِيَّةِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا، لَا سِيَّمَا بَعْدَ الحَرْبِ الأَخِيرَةِ (٢٠٢٤) وَمَا تَرَكَتْ مِنْ آثَارٍ مُخْتَلِفَةٍ.
وَفِي هَذَا الوَقْتِ العَصِيبِ، تُصْبِحُ الحَاجَةُ إِلَى النَّظَرِ بِعُيُونٍ مَوْضُوعِيَّةٍ إِلَى الحَاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلِ فِي لُبْنَانَ ضَرُورَةً مُلِحَّةً لِمُوَاجَهَةِ الأَزَمَاتِ وَالنُّهُوضِ مِنْ جَدِيدٍ.
الحَاجَةُ إِلَى فَهْمِ الوَاقِع
إِنَّ الوَاقِعَ اللُّبْنَانِيَّ اليَوْمَ يَشْهَدُ أَزَمَاتٍ كُبْرَى تَشْمَلُ جَمِيعَ جَوَانِبِ الحَيَاةِ، بَدْءًا مِنَ الأَزْمَةِ الاِقْتِصَادِيَّةِ الخَانِقَةِ الَّتِي أَثَّرَتْ عَلَى حَيَاةِ المُوَاطِنِينَ وَأَدَّتْ إِلَى اِنهِيَارِ العُمْلَةِ الوَطَنِيَّةِ، وَمُرُورًا بِالحَرْبِ الكُبْرَى الَّتِي خَاضَهَا العَدُوُّ المُحْتَلُّ الغَاصِبُ ضِدَّ لُبْنَانَ ٢٠٢٤، وَمَا تَرَكَتْ مِنْ آثَارٍ كُبْرَى فِي الجَوَانِبِ المَادِّيَّةِ، وَالبَشَرِيَّةِ، وَالنَّفْسِيَّةِ، وَالسِّيَاسِيَّةِ، وَصُولًا إِلَى الأَزْمَةِ السِّيَاسِيَّةِ المُسْتَمِرَّةِ الَّتِي جَعَلَتْ تَشْكِيلَ حُكُومَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ أَمْرًا مُعَقَّدًا.
بِالإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الأَزَمَاتِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ، مِثْلَ البِطَالَةِ وَالفَقْرِ والهِجْرَةِ، أَصْبَحَتْ وَاقِعًا يَعِيشُهُ الكَثِيرُونَ، مِمَّا يَتَطَلَّبُ تَحْلِيلًا وَاقِعِيًّا وَصَرِيحًا لِلمَشَاكِلِ الَّتِي تُوَاجِهُهَا البِلَادُ.
وَمَعَ ذَلِكَ، فَالنَّظَرُ إِلَى الحَاضِرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا بِمَشَاعِرِ اليَأْسِ أَوِ الاِسْتِسْلَامِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَتِمَّ بِتَقْيِيمٍ دَقِيقٍ لِلأَوْضَاعِ كُلِّهَا، وَإِجْرَاءِ مُرَاجَعَةٍ جَذْرِيَّةٍ شَامِلَةٍ لِكُلِّ سُلُوكٍ سَلَكْنَاهُ.
النَّظَرُ إِلَى المُسْتَقْبَلِ بِعَيْنٍ طَمُوحَة
فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالمُسْتَقْبَلِ، تَتَحَوَّلُ التَّحَدِّيَاتُ الَّتِي يُوَاجِهُهَا لُبْنَانُ فِي الوَقْتِ الحَالِيِّ إِلَى فُرَصٍ إِيجَابِيَّةٍ، إِذَا تَمَّ تَبَنِّي سِيَاسَاتٍ حُكُومِيَّةٍ وَبَرَامِجَ إِصْلَاحِيَّةٍ شَامِلَةٍ.
إِنَّ النَّظَرَ إِلَى المُسْتَقْبَلِ بِعَيْنِ الأَمَلِ يَتَطَلَّبُ تَفْكِيرًا اِسْتِرَاتِيجِيًّا مَبْنِيًّا عَلَى تَحْدِيدِ أَوْلَوِيَّاتِ العَمَلِ، مِثْلَ:
إِصْلَاحِ النِّظَامِ السِّيَاسِيِّ نَحوَ دَوْلَةِ المُواطَنَةِ، وَتَعْزِيزِ المُؤَسَّسَاتِ الرَّسْمِيَّة، وَتَطْوِيرِ قِطَاعِ التَّعْلِيمِ فِي كُلِّ مَرَاحِلِهِ، وَتَحْفِيزِ الاِقْتِصَادِ الخَاصِّ فِي الزِّرَاعَةِ، وَالصِّنَاعَةِ، وَالسِّيَاحَةِ، وَإصلاحِ النِّظامِ المَصرفِي والمَالِي بِشَكْلٍ عَامٍ.
الشبابُ قضيَّةٌ أُولى أَساسيَّةٌ
عِلاوةً على ذلك، فإنَّ الشَّبابَ اللُّبنانيَّ يُشَكِّلُونَ رأسَ الحربةِ في أيِّ تغييرٍ مُستقبليٍّ، فطَاقاتُهم وقدُراتُهم بحاجةٍ إلى دعمٍ مُستمرٍّ من الدَّولةِ والمجتمعِ لتَوجيهِها نحوَ بناءِ وَطنِنا لبنان بدلاً منَ الهِجرةِ أو الانغِماسِ في الأزماتِ الّتِي لَا تَنتَهي.
هذا يَتَطَلَّبُ استثمارًا جادًّا في التَّربيةِ والتَّعليمِ والإعدادِ والتَّدريبِ، وتَوفيرَ بيئةٍ اقتصاديَّةٍ مُستقِرَّةٍ تَجذبُ الاستثماراتِ، وتَدعمُ ريادةَ الأعمالِ.
الطَّريقُ نحوَ التَّغييرِ بِرؤيةٍ مَوضُوعيَّة
في خِضَمِّ الأزماتِ التي يَعيشُها لبنان، يُصبِحُ التَّغييرُ جُزءًا لا يَتَجَزَّأُ منَ المُعادلةِ المُستقبليَّةِ. لكنْ، لكي يَتحقَّقَ التَّغييرُ الحقيقيُّ، لا بُدَّ منَ التَّوجُّهِ إلى نَظرةٍ شاملةٍ تَأخذُ في اعتِبارِها كُلَّ جَوانبِ المُجتمعِ اللُّبنانيِّ، بما في ذلكَ التَّنوُّعِ الثَّقافيِّ والدِّينيِّ، وضَرورةِ تَعزيزِ المُواطَنةِ كأساسٍ لبِناءِ الدَّولةِ اللُّبنانيَّةِ الحديثةِ؛ دولةُ المُواطَنةِ.
إنَّ إزالةَ الانقساماتِ الطَّائفيَّةِ والتَّركيزَ على المصلحةِ الوطنيَّةِ سيكونُ أساسًا للمَضِيِّ قُدُمًا نحوَ الاستقرارِ.
الأملُ في غَدٍ أَفضل
من خِلالِ النَّظرِ إلى الحاضِرِ والمُستقبَلِ بعَينٍ موضوعيَّةٍ، يُصبِحُ بإمكانِ لبنانَ أن يَخطُوَ خُطُواتٍ كبيرةً نحوَ التَّعافي. إنَّ الوَعيَ الجَماعيَّ بضَرورةِ الإصلاحِ والتَّغييرِ هو المُحَرِّكُ الرَّئيسُ لهذا التَّقدُّمِ، معَ التَّأكيدِ على تَعزيزِ الوَحدةِ الوطنيَّةِ وعلى حِفظِ الميثاقيَّةِ الوطنيَّةِ، ويَجبُ أن تتضافَرَ الجُهودُ من جميعِ الأطرافِ لتحقيقِ ذلكَ. كما أنَّ إيمانَ اللُّبنانيِّينَ بأنَّهُم قادرونَ على تَجاوزِ المِحَنِ هو الأساسُ الذي ينبغي أن يُبنى عليهِ العَملُ من أجلِ غَدٍ أَفضلَ، حيثُ تَظلُّ الأملُ والتَّضامُنُ من أكبرِ عواملِ النَّجاحِ.
نظرةٌ جَديدةٌ أمِينةٌ
لبنانَ بحاجةٍ إلى نَظرةٍ جديدةٍ للبِناءِ والعَملِ والتَّغييرِ، تُركِّزُ على بناءِ المُستَقبلِ بِشَجاعةٍ وكَفايةٍ وكفاءةٍ وقدُراتٍ ومَهاراتٍ، وقَبلَ هذا كُلِّهِ نحتاجُ إلى وعيٍ رَصينٍ شامِلٍ، معَ حِفظِ الأمانةِ، بقَلبٍ سَليمٍ.
وإنْ كانتِ الطَّريقُ طويلةً وشاقَّةً، فإنَّ الإرادةَ الوطنيَّةَ الجامعةَ الصَّادقةَ، والأخذَ بالاعتِبارِ قدُراتِ وكفاءاتِ اللُّبنانيِّينَ، وحدَها كفيلةٌ بأنْ تَجعَلَ لبنانَ يعودُ إلى مكانِهِ الطَّبيعيِّ على خريطةِ العالَمِ كما كانَ دائمًا، وطنَ “الرِّسالةِ” و”مِنبَرًا حضاريًّا” مُتميِّزًا بمُواطِنيهِ الأكفاءِ الذينَ يجبُ أنْ لا يُزيحَهُم زائِحٌ، الطَّموحينَ الذينَ يجبُ أنْ لا يَقمَعَهُم قامِعٌ، والمُخلِصينَ الذينَ يجبُ أنْ لا يَفتِكَ بهِم الطَّاعونُ.
*عميد كلية الدراسات الإسلامية في الجامعة الاسلامية
المصدر: بريد الموقع
0 تعليق