نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
صراع الفضاء.. لماذا تبتعد الدول عن أقمار ماسك الصناعية؟, اليوم الأحد 5 يناير 2025 07:07 مساءً
مع تصاعد أهمية الإنترنت الفضائي كعمود فقري للبنية التحتية الرقمية العالمية، دخلت الدول الكبرى سباقاً محتدماً لتأمين استقلالها في هذا القطاع الحيوي، إدراكاً منها للمخاطر الاستراتيجية المترتبة على الاعتماد المفرط على خدمات أجنبية في هذا المجال.
وبينما تقود Starlink التابعة لإيلون ماسك، مشهد الإنترنت الفضائي مع ما يقرب من 7000 قمر صناعي، تتحرك قوى عالمية أخرى مثل الاتحاد الأوروبي والصين، لتحدي الهيمنة الأميركية الواضحة في هذا المجال.
وبدأت أوروبا منذ أيام بتنفيذ خطوات تتيح لها الابتعاد عن أقمار ماسك الصناعية، من خلال استثمار 11.1 مليار دولار لبناء شبكة أقمار صناعية مشفرة خاصة بها.
ويحمل مشروع الاتحاد الأوروبي للإنترنت الفضائي إسم IRIS⊃2; وهو يضم 290 قمراً صناعياً قادراً
على تغطية مجموعة متعددة من المدارات، حيث ستوفر هذه المجموعة من الأقمار الصناعية خدمات الاتصال الآمنة للدول الأعضاء، في الاتحاد والسلطات الحكومية والإنترنت عريض النطاق عالي السرعة للشركات الخاصة والمواطنين، بما يدعم تحقيق الاستقلال الاستراتيجي وتأمين اتصالات آمنة للأغراض العسكرية والدفاعية والدبلوماسية.
وقال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي إن IRIS⊃2; يعتمد على عدد أقل من الأقمار الصناعية، لكن تصميمه متعدد المدارات، يضعه على قدم المساواة مع كوكبة من حوالي 1000 قمر صناعي من ستارلينك من حيث الأداء.
وسيتم تنفيد مشروع IRIS⊃2; بموجب عقد امتياز يمتد 12 عاماً بين المفوضية الأوروبية واتحاد SpaceRISE الذي تقوده شركة Eutelsat الفرنسية وHispasat الإسبانية وSES من لوكسمبورغ، ومن بين الشركاء الآخرين في المشروع أيضاً شركات OHB وAirbus Defense and Space وTelespazio وDeutsche Telekom وOrange وHisdesat.
وسيساهم الاتحاد الأوروبي بحوالي 6.2 مليار دولار لتمويل تنفيذ مشروع IRIS⊃2;، بينما ستقدم الشركات الخاصة تمويلاً قدره نحو 4.2 مليار دولار، في حين ستوفر وكالة الفضاء الأوروبية حوالي 571 مليون دولار لدعم المشروع، الذي ستكون بنيته التحتية موجودة حصرياً في أوروبا مع مراكز تحكم في لوكسمبورغ وفرنسا وإيطاليا، وهو سيعمل بكامل طاقته بحلول عام 2030.
الصين تتحدى ماسك
بدورها قررت الصين مواجهة هيمنة أقمار ستارلينك الصناعية التي يديرها إيلون ماسك، وأعلنت في ديسمبر 2024 عن إطلاق الدفعة الثالثة من كوكبة أقمار الإنترنت ذات المدار الأرضي المنخفض، والتي أطلقت عليها اسم Qianfan، إذ تهدف الصين إلى نشر 15000 قمراً صناعياً ضمن هذه المجموعة تدريجياً.
وإلى جانب ذلك، تعمل الصين على تطوير مجموعتين إضافيتين من الأقمار الصناعية هما Guo Wang وHonghu-3، مع خطط لإطلاق 13000 و10000 قمر صناعي من هذه المجموعات على التوالي.
ويشير الخبراء إلى أن امتلاك أنظمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، سيمنح الصين تفوقاً جيوسياسياً وأمنياً، إلا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب من بكين زيادة قدراتها الصاروخية لإطلاق العدد الضخم من الأقمار الصناعية إلى المدار.
ويقول الكاتب والمحلل في شؤون الذكاء الاصطناعي التوليدي ألان القارح، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه في عالم يتزايد فيه الاعتماد على شبكة الإنترنت كأداة لإدارة الحياة اليومية للبشر، أصبح
امتلاك كوكبة من الأقمار الصناعية الخاصة بالإنترنت أكثر من مجرد رفاهية تقنية، فالأمر يمثل اليوم عنصراً أساسياً للأمن الوطني، خصوصاً في ظل التحديات الجيوسياسية المتصاعدة والتهديدات المستمرة للبنية التحتية الأرضية.
وأشار إلى أنه عندما تتعرض شبكات الإنترنت التقليدية للانقطاع أو الاستهداف أثناء الأزمات أو الحروب، تظهر الأقمار الصناعية كحل استراتيجي لا غنى عنه يضمن استمرارية الاتصال، وهذا يمنح الدول التي تمتلك هذه التكنولوجيا نفوذاً متعدد الجوانب.
Starlink تسيطر على المشهد
ويكشف القارح أن خدمة Starlink التابعة لإيلون ماسك تسيطر فعلاً على مشهد الإنترنت الفضائي حالياً وهي تستثمر الكثير من الأموال في هذا المجال، وذلك حتى تحقيق مخططها بنشر ما يصل إلى 42000 قمر صناعي ما سيمنحها نفوذاً كبيراً في هذا المجال.
وبالنسبة لأوروبا والصين على حد سواء، فإن النفوذ الذي تتمتع به Starlink هو نفوذ أميركي يشكل خطراً متزايداً وهذا ما دفعهما إلى تسريع خططهما لتطوير مشروعاتهما الخاصة بالإنترنت الفضائي وذلك لتجنب الاعتماد التكنولوجي على الولايات المتحدة، فالقارة العجوز والتنين الصيني يعتبران نفسيهما قادة في مجال التكنولوجيا، وليس مجرد تابعين للنفوذ الأميركي.
ويضيف القارح إنه بالنسبة للصين وأوروبا، أظهرت خدمة Starlink التابعة لإيلون ماسك قدرتها على توفير الوصول إلى الإنترنت لأمور الحرب، أي أن حدود هذه التقنية لم تقتصر على توفير الإنترنت للأغراض المدنية فقط.
ففي أوكرانيا، على سبيل المثال، ومع انهيار البنية التحتية الأرضية للإنترنت، لعبت تقنيات Starlink دوراً محورياً في تمكين ما يُعرف بـ"ساحة المعركة المتصلة"، مما ساعد في تفعيل حرب الطائرات بدون طيار وغيرها من النشاطات الحربية، مشيراً إلى أن هذا الاستخدام العسكري للإنترنت الفضائي يُنظر إليه الآن كميزة استراتيجية بالغة الخطورة والأهمية في الوقت عينيه، وذلك بالنسبة للصين ولأوروبا أيضاً.
فرغم أن الأخيرة تُعد حليفاً للولايات المتحدة، إلا أن التغييرات السريعة في مجال التحالفات تفرض على الجميع امتلاك قدرات "إنترنت فضائي" مستقلة.
ويشرح القارح أنه بصرف النظر عن كونها أداة للتأثير الجيوسياسي، فإن الصين تنفق كماً هائلاً من الأموال على مشاريع الأقمار الصناعية الخاصة بالإنترنت، بدافع فرض الرقابة على ما يمكن لمواطنينها الوصول إليه، فستارلينك الأميركية توفّر محتوى غير خاضع للرقابة وهذا الأمر يمكن أن يخترق حقاً نظام الرقابة الصيني، وبالتالي فإن بكين بحاجة إلى تأمين بديل يتيح لها السيطرة الكاملة على تدفق المعلومات مع الحفاظ على أمنها السيبراني والسيادي في مواجهة النفوذ التكنولوجي الأميركي.
وبحسب القارح، فإن الاستثمارات التي تقوم بها أوروبا والصين حالياً في مجال الإنترنت الفضائي ليست خطوة متأخرة جداً، لكنها تأتي في سياق سباق تسيطر فيه الولايات المتحدة على النفوذ الأقوى، بعد أن كانت السباقة في تبني هذه التقنية واستثمارها بشكل مكثف.
واعتبرأن تحقيق أوروبا لطموحها في امتلاك شبكة إنترنت فضائي مستقلة، يبدو أكثر واقعية مقارنة بالصين، التي تواجه تحديات كبيرة في مواكبة هذا التطور بسبب الضغوط الأميركية المحتملة على مختلف الأصعدة، ومع ذلك، يجب أن لا ننسى تفوق الصين في مجال الإنترنت الأرضي، حيث تقدم خدماتها عبر شركة هواوي، التي تعتبر متقدمة بشكل لافت مقارنة بمنافسيها العالميين.
ويختتم القارح حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بالتأكيد على أن السيطرة على الإنترنت الفضائي، أصبحت مسألة أمن واستقلال اقتصادي وسياسي، وهذا الواقع يدفع الدول الكبرى إلى خوض سباق محموم للحصول على حصة وازنة في هذه التكنولوجيا، التي تضمن البقاء في معادلة النفوذ العالمي، لافتاً إلى أن السماء لم تعد فقط مجرد فضاء للاتصالات، بل تحولت إلى ميدان استراتيجي لصراعات الأمن والنفوذ في العصر الحديث.
0 تعليق